في كتابه الجديد «عشاء مع الملك توت»، يعرض الكاتب الأمريكي سام كين رؤيته حول الاتجاه الجديد في علم الآثار المعروف بـ"علم الآثار التجريبي"، والذي يسلط الضوء على الحضارات القديمة من منظور حسي وتجريبي غير تقليدي. ويخصص كين فصلًا كاملًا للحضارة المصرية، مؤكدًا أنها لا تزال تثير انبهار العالم، وأن كثيرًا من ألغازها، وعلى رأسها بناء الأهرامات، لم تُحل بعد.

يوماً بعد يوم، يزداد يقين علماء الآثار حول العالم بأن الحضارة المصرية القديمة تقف في مرتبة مختلفة تمامًا عن باقي حضارات العالم القديم. فبينما قد تدّعي الصين أنها تمثل أقدم حضارة مستمرة على وجه الأرض بسبب الانقطاعات التاريخية التي مرت بها مصر، ويشير بعض الباحثين إلى اكتشاف أهرامات في دول أخرى قد تكون أقدم من أهرامات الجيزة، إلا أن الاتفاق السائد في أوساط الأثريين أن الحضارة المصرية القديمة تمثل قمة التطور البشري في العصور القديمة، وأنها لا تزال حتى اليوم "درة التاج" بين حضارات العالم.

إنجازات المصريين القدماء تتفوق بسنوات ضوئية

الملوك والفراعنة المصريون لم يكونوا مجرد حكام؛ بل تركوا إرثًا مذهلاً من المعالم والإنجازات التي تتفوق بمراحل على ما أنتجته حضارات زمنهم، بل وما جاء بعدها. هذه الإنجازات لا تزال موضع انبهار ودراسة، وتعد من أبرز عوامل الجذب السياحي في مصر، حيث يسعى الزوار من كل بقاع الأرض لاكتشاف أسرارها.

السياحة في مصر: ما بين الأثر والنكهة

وعلى مستوى علم الآثار، تنقسم المدارس إلى اتجاهين؛ الأول تقليدي، يعتمد على دراسة المواقع الأثرية وتحليل الوثائق والنقوش لفهم تفاصيل الحياة في الماضي. أما المدرسة الثانية، فتمثلها نخبة من الباحثين يُعرفون بـ"التجريبيين"، يؤمنون بأن الكتب والمخطوطات وحدها لا تكفي. بل يجب العيش فعليًا كما عاش القدماء: تصنيع الأدوات الحجرية، ودبغ الجلود، وحفظ الأسماك، واستخدام تقنيات قديمة لتحويل الدهون إلى زيت، وغيرها من الأنشطة التي تهدف إلى استعادة نكهة وصوت وروائح الماضي الغابر.

"عشاء مع الملك توت": كتاب أمريكي يوثق هوس العالم بالحضارة المصرية

في هذا العمل اللافت، يسعى سام كين إلى إعادة تخيل تفاصيل الحياة اليومية القديمة، ليس فقط بصريًا من خلال الآثار، بل أيضًا عبر الحواس الأخرى: مذاق الطعام، رائحة الشوارع، أصوات المعابد... وغيرها.

ويقول كين في كتابه: "سواء كنا نتحدث عن أهرامات مصر أو معابد المكسيك، فإن لدينا تصورًا جيدًا لشكل الماضي. ولكن ماذا عن المذاقات والروائح والأصوات؟"، في إشارة إلى ضرورة إعادة إحياء هذه التجارب بشكل ملموس.

باحثون يعيدون صناعة المومياوات ويمارسون الجراحة القديمة

يذهب المؤلف إلى أبعد من التوثيق، حيث شارك فعليًا في تجارب الباحثين: دق وشم يدوي على الطريقة القديمة، إطلاق منجنيق روماني، تجريب الجراحة القديمة، والمشاركة في بناء طرق رومانية تاريخية، في مسعى لفهم العصور السحيقة من الداخل. بعض العلماء في هذا التيار وصل بهم الأمر إلى صناعة مومياوات بشرية جديدة، أو محاولة التحقيق في جرائم قتل تاريخية تعود لآلاف السنين.

فصل خاص عن مصر وألغاز الأهرامات

خصص سام كين فصلًا كاملًا عن الحضارة المصرية، معترفًا بأن الكثير من أسرارها ما زالت غامضة، وعلى رأسها سر بناء الأهرامات. من أبرز من التقاهم في هذا السياق، نجار من ولاية المسيسبي الأمريكية يجري تجارب لمحاكاة بناء الأهرامات، ويدعي أنه توصل إلى فرضية جديدة لكيفية نقل الحجارة العملاقة. هذا الهوس العالمي بمصر يؤكد أن الحضارة الفرعونية ما زالت ملهمة، وتثير خيال العلماء والكتّاب والمستكشفين.

ويشير كين إلى أن نقل كتلة حجرية واحدة كل ٥ دقائق على مدار عشرين عامًا لبناء هرم خوفو لا يزال أمرًا مدهشًا يصعب تفسيره وفقًا للمفاهيم الهندسية الحديثة.

مصر الخالدة.. حتى لو لم يدرك بعض أبنائها عظمتها

يختم الكاتب كتابه بعنوان جذاب وصورة لوجه الملك توت عنخ آمون الذهبي على الغلاف، تأكيدًا لمكانة مصر الخالدة في وجدان العالم. وبينما يتواصل إعجاب الأجانب واهتمامهم بالحضارة المصرية، لا يزال بعض المصريين غير مدركين لعظمة بلادهم، التي تمثل في نظر العالم قمة المجد الإنساني وأسطورة التاريخ.