بينما تؤكد الجهات الرسمية توافر الأسمدة واستقرار السوق المحلي، تتصاعد شكاوى الفلاحين في عدد من المحافظات من نقص شديد في كميات السماد المدعوم، وغياب تام في صرف الحصص المقررة لهم عبر الجمعيات الزراعية، بالتزامن مع ذروة الموسم الصيفي وزراعة محاصيل استراتيجية مثل الذرة الشامية، السمسم، وعباد الشمس.
وتأتي هذه الأزمة في وقت تواجه فيه مصانع الأسمدة تحديات إنتاجية متعلقة بإمدادات الغاز، ما أدى إلى تقليص الطاقة التشغيلية لعدد من المصانع الكبرى، مع استمرار عمل خط إنتاج واحد فقط بمصنع "أبو قير للأسمدة"، لتوفير نحو 55% من احتياجات السوق الزراعي الرسمي.
الفلاحون: نبحث عن السماد منذ أسابيع.. ولا نحصل إلا على ربع الحصة
عبد العال مصطفى، فلاح من المنيا، يقول: "من قبل العيد والجمعية مفيهاش سماد، كل يوم نروح نسجل اسمنا ونرجع. الزراعة مش هتستنى، والمحاصيل محتاجة تسميد من بدري، ولو لقينا حاجة بنصرف شكارة واحدة على الأكثر."
ويؤكد رمضان عبد الحميد، مزارع بالشرقية، أن الأزمة بدأت منذ أوائل مايو: "زرعنا السمسم والذرة من أكتر من شهر، وكل يوم نلف على الجمعيات من غير فايدة. السماد المدعوم اختفى، ولو فيه بيصرفوا 25% من الحصة بس. ومفيش فلوس نشتري من السوق الحر بأسعاره المجنونة."
وتكررت نفس الشكاوى من مزارعين في محافظات القليوبية وسوهاج والدقهلية، حيث أكدوا أن الجمعيات لم توفِ بالتزاماتها، ما دفعهم إلى البحث عن بدائل مرتفعة الثمن أو تقليص حجم المساحات المزروعة تفاديًا للخسارة.
النقيب: لا أزمة حالية والأسمدة متوفرة بالسوق
في المقابل، أكد حسين أبو صدام، نقيب عام الفلاحين، في تصريحات خاصة، أن الأسمدة الزراعية متوفرة حاليًا في السوق المحلي، ولا توجد أية أزمة حقيقية حتى الآن، مشيرًا إلى أن المخزون الاستراتيجي يكفي لتغطية احتياجات الموسم الصيفي.
وأضاف: "الحكومة مستمرة في توزيع الأسمدة المدعمة بنفس الأسعار من خلال الجمعيات الزراعية، وهناك متابعة لحظية لضمان استقرار السوق وعدم ظهور اختناقات في التوزيع."
وأشار إلى أن وزارة الزراعة تعمل على تأمين الكميات المطلوبة وضخها في الوقت المناسب، مؤكدًا أن توزيع الأسمدة يتم على موسمين (صيفي وشتوي)، وتم صرف كميات كافية لكلا الموسمين حتى تاريخه.
وحذّر أبو صدام من أن أي نقص محتمل في المستقبل ستكون له تداعيات مباشرة على أسعار الغذاء، قائلاً: "السماد عنصر أساسي في الإنتاج الزراعي، وإذا اختفى أو زادت أسعاره سترتفع تكلفة الزراعة وسينعكس ذلك على أسعار المنتجات."
وشدد على أهمية استمرار الدعم الحكومي، قائلاً: "نناشد الدولة طرح كميات إضافية في السوق الحر بأسعار مناسبة، منعًا لظهور السوق السوداء، ودعمًا لصغار الفلاحين."
هل تتوسع الأزمة؟
وبين تأكيدات النقابة وشكاوى الفلاحين، تبدو الأزمة مرشحة للاتساع ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة لزيادة المعروض وضبط آليات التوزيع، خاصة في ظل تزايد الطلب على السماد مع تقدم موسم الزراعة الصيفية، وارتفاع درجات الحرارة التي ترفع حاجة المحاصيل للتسميد المنتظم.
ففي حين تُشير التصريحات الرسمية إلى استقرار الوضع، تنقل شهادات المزارعين صورة مغايرة تعكس تحديات فعلية على الأرض، ما يستدعي تدخلاً سريعًا يعالج الفجوة بين الورق والواقع، قبل أن تتأثر الدورة الزراعية، ويتكبد المزارع والمستهلك معًا فاتورة هذا التباين.