حين نُقلّب صفحات التاريخ، نكتشف أن المرأة ليست دائمًا على الهامش؛ ففي قلب الحضارة الفارسية القديمة، وقفت المرأة بثبات، تحمل تاجها، تُدير أملاكها، وتُشارك في الحياة السياسية والاقتصادية بثقة تُضاهي الرجال.
كانت الملوك يُستشارون، وأحيانًا يُقادون، بتوجيه نساء من النخبة، لهن مكانة ونفوذ،
لكن إذا أدرنا عين الزمن إلى العصر الحديث، وتحديدًا إيران بعد ثورة 1979، سنرى مشهدًا مغايرًا تمامًا: الحجاب يُفرض، الحريات تُقمع، والقوانين تُعاد تشكيلها لتُقصي المرأة من مراكز القرار وتضعها تحت وصاية دينية صارمة.
ومع ما تواجهه المرأة في بلاد فارس منذ سنوات، وعلاقتها بالفن وخاصة السينما والتليفزيون، نجد أنه كلما اشتد القمع كلما زادت المرأة في التعبير عن المجتمع وأن تكون له مرأة بشكل أكبر، فهل استغل أهل الفن المرأة في كشف خبايا المجتمع الإيراني.
وفي هذا الشأن قال، الدكتور خالد عبد الفتاح، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن الحضارة الفارسية القديمة (خاصةً في عهد الإمبراطورية الأخمينية 550 ق.م - 330 ق.م)، كانت واحدة من أرقى الحضارات القديمة، وكان للمرأة فيها وضع لافت للنظر مقارنةً بالحضارات المجاورة.
وأضاف لـ" خمسة سياسة"، أن حرية المرأة في الحياة الفارسية كانت أكبر من وضعها الحالي بشكل كبير، فقد كان لها الحق بحرية اللباس، وكانت تخرج وتشارك في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، كما أنها كانت تملك الأراضي، وتشارك في المعاملات الاقتصادية، وأحيانًا في الحياة السياسية (الملكات، الأرستقراطيات)، هذا بالإضافة للحياة العامة.
كما نوّه إلى أن ما يحدث للمرأة الفارسية حاليًا ما هو إلا تراجع كبير لما أحرزته في عصورها السابقة، من الإجبار على لباس محدد، والمنع من الحياة العامة والشخصية، وتقييد الحريات والمواريث التي نعيشها حاليا مع دولة إيران.
أما على الجانب الفني فأكد الناقد طارق الشناوي، أن السينما الإيرانية من اعظم الجهات السينمائية في العالم بالرغم مما تواجه من تعثر وتعنت من الحكومة الرسمية للدولة، إلا أنها على الرغم من ذلك يستطيع صناعها الخروج بأفضل صورة وشريط صوت وموسيقى تصويرية.
وأضاف لـ"خمسة سياسة"، السينما الإيرانية لم تستغل المرأة ولم تقم بتسليعها على الإطلاق، بل أنها اتخذت منها وجه لكشف ما يحدث داخل المجتمع بصورة كبيرة، ومع اتجاه أغلب مشكلات المجتمع تجاه المرأة فمن الطبيعي أن نجد السيدة تتصدر الشاشة.
ولم يتوقف الأمر على هذا في طريق السيدة تجد الرجال وبعض من مشكلاتهم التي تحدث بالضرورة إذا كان هناك ظلم بشكل عام في مجتمع ما،
مؤكدا على أن تقديم المرأة كضحية للقمع يُكسب السينما الإيرانية اهتمامًا عالميًا، خاصةً في المهرجانات الدولية، فالغرب ينظر إلى هذه الأفلام كنافذة على مجتمع مغلق، وصورة المرأة المقهورة تلقى تعاطفًا واسعًا.
فيما نوهت الناقدة حنان شومان، إلى أمر هام في الحياة الإيرانية التي أجبرت صناع السينما على استخدام المرأة، وهو أنه بسبب قيود الرقابة، يصعب الحديث عن السياسة أو الدين مباشرة.
وأضافت لـ"خمسة سياسة"، أن المرأة تصبح "لغة بديلة" لانتقاد السلطة، والتلميح للمحرمات، ضمن قصة اجتماعية أو إنسانية.
رغم التحديات السياسية والاجتماعية، أثبتت المخرجات الإيرانيات حضورًا قويًا ومؤثرًا في صناعة السينما، حيث استخدمن الكاميرا كأداة لمساءلة الواقع وكشف المسكوت عنه، خاصة في ما يخص قضايا المرأة والحرية والهوية.
في طليعة هؤلاء الرائدات تأتي رخشان بني اعتماد، التي تُعد من أولى المخرجات الحاصلات على جوائز مهرجان فجر، وقدمت أفلامًا اجتماعية واقعية ترصد معاناة النساء وتفاصيل الحياة اليومية.
أما تحمينة ميلاني، فهي من أبرز الأصوات النسوية الجريئة في السينما الإيرانية، ناقشت في أفلامها قضايا التمييز والاضطهاد، ومن أبرز أعمالها: امرأتان (Two Women) ونساء مشبوهات (The Suspicious Women)، ما جعلها رمزًا للسينما النسوية المقاومة.
مرضية مشكيني أبهرت العالم بفيلمها الشهير اليوم الذي أصبحت فيه امرأة (The Day I Became a Woman)، الذي نال جائزة في مهرجان فينيسيا، وتميّز بأسلوب بصري شاعري في سرد التحولات النفسية للنساء الإيرانيات.
ومن بين الأسماء البارزة أيضًا:
بوران درخشانده: مخرجة ومنتجة مشهورة، عُرفت بأعمالها التي تناولت قضايا الطفولة والإدمان والعنف الأسري، أبرزها فيلم هادي والبيت.
نرجس آبيار: حققت شهرة واسعة بفيلم نَفَس وشَرْنَگی توليد، ونجحت في المزج بين السرد السياسي والإنساني.
فريال بهزاد: مخرجة تهتم بالتفاصيل النفسية للمرأة، وقدمت أفلامًا تعكس صراع الهوية والذات في المجتمع الإيراني.
منى زاندي حاجيجي: عُرفت بفيلم اللون الأرجواني، الذي تناول قضايا التحرش والانكسار داخل الأسرة.
مهناز محمدي: مزجت بين الوثائقي والروائي، وتناولت في أعمالها الحقوق الاجتماعية والسياسية للنساء.
تينا باكراوان: اشتُهرت بأسلوبها الحداثي، وناقشت في أفلامها تناقضات الطبقة الوسطى والنخبة الثقافية الإيرانية.
رغم التضييق الرقابي، استطاعت هؤلاء المخرجات صياغة خطاب سينمائي نسوي رصين، يعكس واقع النساء الإيرانيات ويمنحهن صوتًا على الشاشة، في الداخل والخارج على حد سواء.