في رواية الحرام ليوسف إدريس، والتي صدرت في الخمسينيات، وأُخذ عنها فيلمٌ سينمائي من بطولة فاتن حمامة، تسبب الفيلم والرواية في تغيير قوانين اجتماعية كثيرة تتعلق بعمال التراحيل، لعلّ أهمها التوسع في قانون الإصلاح الزراعي.
قارئ هذه الرواية بعقلٍ وقلب إنسان، سيرى أن يوسف إدريس يطرح سؤالًا فلسفيًا وجوديًا، وهو:
من هو الأكثر حرامًا وإجرامًا؟
هل تلك المرأة عاملة التراحيل التي وقعت في الخطيئة وقتلت طفلها من الخطيئة، لأجل فتات الطعام لها ولزوجها المريض؟
أم هو زوجها الفقير المعدم المريض، عامل التراحيل، الذي تغاضى عن حمل زوجته السفاح، لأنه مقهور، مسحول، لا حول له ولا قوة؟
أم هو الثري الذي يستغلّ عرق هؤلاء عمال التراحيل، ويعملون لديه بالسُّخرة في جمع المحصول؟
أم هو مقاول الأنفار الذي يجلبهم مثل نخّاس العبيد؟
أم هو ناظر العزبة؟
أم هي الحكومة والدولة المسؤولة عن مواطنيها، وتوفير أقل من القليل لحياة تشبه الحياة لهؤلاء المطحونين؟
في النهاية، وبطريقة عبقرية، أنهى يوسف إدريس تساؤله ببراءة تلك المرأة "الخاطئة" بعد موتها من تهمة "الحرام"، بل جعلها قديسة... يزور الناس قبرها، وحمّل المجتمع كله هذه الخطيئة.
الآن... بعد مرور ما يقرب من ٧٥ عامًا على سؤال يوسف إدريس وبعد تطوّر الدساتير وقوانين حقوق الإنسان، وقل ما شئت عن "التطور"، لكنه – للأسف – تطوّر عكسي...
لا زالت الفتيات والصبية في الريف المصري يعملون كعمال تراحيل، بأقل القليل من الأجر، في مزارع وأبعاديّات الباشوات والبرنسات الجدد.
ولا زال هؤلاء يموتون صرعى الحوادث، والجوع، وضربات الشمس، والفقر.
كما لا زال عمال السخرة يعملون في مصانع الباشوات الجدد، بمهن تعبئة وأمن وخلافه، من 12 إلى 16 ساعة يوميًا، ولا يحصلون حتى على الحد الأدنى من الأجر الذي تتشدّق به الحكومة.
وكلما رفعت الحكومة الحد الأدنى للأجور، قابلها أصحاب المصانع والمزارع والشركات – من الباشوات الجدد – بزيادة عدد ساعات العمل.
مشاهد مروّعة متكررة في سوق العمل المصري لا زال آلاف الشباب يعملون بمهنة الدليفري، و"طيار الطلبات"، وعمال كافيهات ومحطات بنزين، وغيرها، بدون أجر، أو في أفضل الأحوال بأجر رمزي، اعتمادًا على البقشيش، رديف التسول.
ولا زال عشرات الآلاف من الشباب يعملون في مهن مثل سائق توك توك، أو نبّاشي زبالة، أو كول سنتر، أو عبيد لشركات السمسرة كمندوبين مبيعات، وغيرها من المهن غير المنتجة.
والمصيبة الكبرى... أن غالبية من يعمل بهذه المهن حاصلون على مستوى ما من التعليم، بداية من المتوسط وحتى الجامعي.
أي جريمة تُرتكب بحق شباب مصر؟ أي كارثة تلك التي تُهدر أثمن ما في مصر، وهي قوة الشباب العاملة؟
هل هذا ناتج عن عجز في استغلال طاقات هؤلاء الشباب؟
أم هي مؤامرة لتدمير شباب مصر، وإلقائهم في غياهب عدم الانتماء، والسخط على المجتمع؟
وربما إلقاؤهم في طريق اللامبالاة والمخدرات؟
لعلّ حادث فتيات المنوفية يوقظ فينا التساؤل:
هل ما يحدث لشبابنا شيء طبيعي؟ أم أنه...
الحرام... في أحطّ صوره؟