في إطار متابعة التطورات المرتبطة بحادث الحريق الذي اندلع بمبنى سنترال رمسيس، ومع تزايد التساؤلات حول حجم الأضرار وآليات التعامل مع الأزمة، يسلّط هذا التقرير الضوء على السيناريوهات المحتملة، وتوقعات حل الأزمة، ومدى فاعلية البدائل التي تم تفعيلها، والخسائر التي تم تلافيها، إلى جانب تقييم مدى كفاءة التجهيزات الوقائية في مثل هذه المنشآت الحيوية.
ويعتمد التقرير على ثلاث شهادات متخصصة من زوايا مختلفة، تشمل التخطيط الحكومي، وتكنولوجيا النانو، ومنظومة الطوارئ الصحية، وذلك للوصول إلى رؤية تحليلية متكاملة لما حدث، وكيف تعاملت الدولة معه، وما المطلوب لتفادي تكراره.
بدائل سريعة حالت دون تفاقم الأزمة.. خبير تخطيط: 80% من خدمات الاتصالات عادت فورًا
في تعليقه على تداعيات حريق سنترال رمسيس، أكد الدكتور محمد محي، مستشار الابتكار الحكومى، أن الدولة المصرية كانت مستعدة ببدائل فعّالة للتعامل مع الأزمة، مما أثبت مرونة وقوة البنية التحتية لقطاع الاتصالات في البلاد.
وأوضح الدكتور محي في تصريحات خاصة لـ"خمسة سياسة" أن القرار الفوري الذي اتخذته القيادة المسؤولة كان تحويل مسارات الخدمة إلى سنترالات وأماكن بديلة، وهو ما أدى إلى استعادة ما يقرب من 80% من الخدمات المتأثرة بشكل فوري، الأمر الذي قلل من حجم التأثير على المواطنين والشركات.
وأضاف أن النسبة المتبقية من الانقطاع، والتي بلغت 20%، تم التعامل معها بشكل تدريجي ومدروس، حيث كان يتم استعادة الخدمة بنسبة 5% كل خمس ساعات تقريبًا، مشيرًا إلى أن التأخير في استعادة الخدمة بالكامل كان إجراءً ضروريًا لإتمام عمليات التبريد بعد إخماد الحريق، وهو ما يضمن سلامة الموقع والمعدات.
وفي سياق متصل، فند "محي" الشائعات التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي والتي صورت سنترال رمسيس كنقطة الضعف الوحيدة في الشبكة المصرية، مؤكدًا أن هذا غير صحيح على الإطلاق.
وشدد على أن المبنى الذي تعرض للحريق لم يكن مركزًا رئيسيًا لتخزين البيانات كما أشيع، بل إن مصر تمتلك قواعد بيانات متعددة ومؤمنة بأعلى المعايير العالمية في مواقع استراتيجية، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة، وهي مصممة لتكون محصنة ضد الكوارث الكبرى.
وأشار الدكتور محي إلى أن الدليل على مرونة الشبكة هو أن خدمات الإنترنت عبر الهواتف المحمولة لم تتوقف، مما مكن الكثيرين من متابعة أعمالهم والتواصل بشكل طبيعي.
واختتم تصريحاته بالتأكيد على أن جهات التحقيق قد بدأت عملها لمعرفة أسباب الحريق، وأن هناك توجيهات عليا بوجود خطة عمل فورية لإعادة تأهيل السنترال بالكامل في أسرع وقت ممكن، متوقعًا عودة الخدمات إلى طبيعتها بنسبة 100% خلال ساعات قليلة.
تكنولوجيا مفقودة تسببت في تفاقم الخسائر.. خبير نانو: كان يمكن إنهاء الحريق خلال 90 ثانية
في وجهة نظر أخرى رأى الدكتور رمزي عبدالعزيز، الحاصل على درجة الدكتوراه في علوم وتكنولوجيا النانو من كلية الهندسة بجامعة كيل في ألمانيا، أن كارثة حريق سنترال رمسيس كان يمكن السيطرة عليها خلال أقل من 90 ثانية، لولا غياب التخطيط الجيد وأنظمة الحماية المناسبة، مشيرًا إلى أن شرارة صغيرة خرجت من كابل كهربائي كانت كافية لتتحول إلى حريق ضخم امتد إلى سبعة طوابق، وعطّل الاتصالات والإنترنت عن نصف الجمهورية، وكشف عن حاجة ملحة لإعادة النظر في البنية التحتية للمنشآت الحيوية.
وأوضح عبدالعزيز، في منشور له عبر صفحته الشخصية على فيسبوك، أن أنظمة الإنذار المبكر تُعد خط الدفاع الأول ضد الحرائق في المنشآت الحيوية، حيث تبدأ بالعمل تلقائيًا عند ظهور دخان أو ارتفاع في درجات الحرارة، وتفعّل أنظمة الإطفاء أوتوماتيكيًا. ولفت إلى أن تلك الأنظمة تتنوع بين ثلاثة أنواع رئيسية.
النوع الأول هو أنظمة كشف الدخان، والتي تعتمد على حساسات بصرية أو أيونية تكتشف جزيئات الدخان في الهواء، غير أنها غير مناسبة في البيئات التي تحتوي على كابلات أو أتربة مثل السنترالات، بسبب احتمالية إصدار إنذارات كاذبة.
أما النوع الثاني فهو أنظمة كشف الحرارة، والتي تعمل عند ارتفاع درجات الحرارة عن المعدلات الطبيعية، وتعد مناسبة أكثر للمستودعات، إلا أنها بطيئة نسبيًا في الاستجابة، وغير فعالة مع الحرائق الكهربائية التي تبدأ عادة بظهور دخان قبل الارتفاع في الحرارة.
وأضاف أن النوع الثالث والأكثر كفاءة عالميًا هو أنظمة الكشف عن الدخان بالشفط، والمعروفة باسم أنظمة الكشف بالعينات الهوائية، حيث تقوم هذه الأنظمة بسحب عينات من الهواء بشكل مستمر، وتتمكن من اكتشاف الدخان في مراحله الأولى جدًا، حتى قبل أن يلاحظه الإنسان بالعين المجردة. وأكد أن هذا النوع هو الأنسب لاستخدامه في منشآت مثل سنترال رمسيس، لقدرته العالية على العمل في بيئات تحتوي على أجهزة إلكترونية وكابلات، دون التأثر بالأتربة.
وأشار عبدالعزيز إلى أن استخدام أنظمة رش المياه التقليدية كان سيزيد من حجم الكارثة، نظرًا لأن السنترال يحتوي على تجهيزات كهربائية عالية الحساسية، ما كان قد يؤدي إلى تكهرب المبنى بالكامل. وقال إن الحل الأفضل هو استخدام أنظمة الغازات الخاملة مثل FM-200 أو Novec 1230، والتي تنتشر في أرجاء المكان خلال أقل من 90 ثانية وتقوم بإخماد الحريق دون أن تُسبب أي تلف للأجهزة الإلكترونية، موضحًا أن هذه الأنظمة تُستخدم بالفعل في مراكز البيانات والبنوك والسنترالات الكبرى حول العالم، وأن تكلفة تأمين مبنى مثل سنترال رمسيس بهذه الطريقة لا تتجاوز اثنين في المئة من الخسائر التي نجمت عن الحريق.
وانتقد عبدالعزيز غياب ما وصفه بخطة التعافي الجغرافي، مشيرًا إلى أنه في أي منشأة استراتيجية يفترض وجود مبنيين بديلين على الأقل موزعين جغرافيًا، بحيث يبدأ أحدهما العمل أوتوماتيكيًا في حال حدوث خلل أو انهيار في المبنى الرئيسي. وتابع أن ما حدث في سنترال رمسيس كشف عن عدم وجود نسخ احتياطية فورية، ما تسبب في تعطل الاتصالات والإنترنت عن مناطق واسعة من الجمهورية في نفس اللحظة.
وفي ختام حديثه، أشاد الدكتور رمزي عبدالعزيز برجال الحماية المدنية الذين وصفهم بخط الدفاع الأخير، مشيرًا إلى أنهم صمدوا أمام درجات حرارة بلغت 1200 درجة مئوية، وتمكنوا خلال ست ساعات من السيطرة على النيران ومنع انهيار المبنى بالكامل، كما أنقذوا حياة أكثر من 120 موظفًا من داخل المبنى. وأكد أن ما حدث يعكس فشلًا في النظام من اللحظة الأولى، لكنه أظهر أيضًا بسالة رجال الإطفاء الذين نجحوا في مواجهة كارثة كان يمكن تجنبها تمامًا بالتكنولوجيا والتخطيط.
وأكد في ختام منشوره أن مصر بحاجة إلى مراجعة شاملة لأنظمة الحماية والجاهزية في منشآتها الحيوية، وأن الحفاظ على الأرواح والبنية الرقمية يتطلب رؤية علمية متقدمة واستثمارًا حقيقيًا في السلامة والتأمين.
رئيس "اتصالات النواب": البدائل أنقذت الخدمة من شلل تام.. وسنحاسب إذا لم تكن التعويضات مرضية
وفي سياق متصل، أكد النائب أحمد بدوي، رئيس لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، أن البنية التحتية الحديثة ووجود بدائل تقنية ساهمت في تقليل الأضرار الناتجة عن الحريق بنسبة كبيرة، مشيرًا إلى أن ما تم من تحديثات في كابلات الألياف الضوئية خلال السنوات الأخيرة خفف العجز في الخدمات من 100% إلى 50%، وأنه لولا هذه البنية لكان من الممكن أن يستمر الانقطاع أسبوعًا كاملًا.
وقال "بدوي"، في تصريحات إعلامية، إن خدمات الاتصالات عادت بنسبة 80%، ومن المتوقع عودتها بنسبة 100% خلال ساعات، مؤكدًا أن فودافون تعمل بكفاءة، بينما يتم العمل على استعادة الخدمة بشبكات أورانج واتصالات، مع تركيب أربع كبائن جديدة لتغطية المناطق المتأثرة مثل رمسيس ومصر الجديدة ومدينة نصر.
وشدد رئيس لجنة الاتصالات على أن هناك تنسيقًا كاملًا بين البرلمان والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لتعويض العملاء المتضررين، قائلاً: "لو رأينا أن الإجراء التعويضي غير مرضٍ للعملاء سنطالب بتصحيحه، والتعويض سيشمل باقات إضافية للعملاء، وقد يشمل المتضررين من البورصة والبنوك".
وأكد أن التقرير الكامل من وزارة الاتصالات ولجنة الاتصالات بمجلس النواب سيُرفع لرئيس المجلس، مشيرًا إلى أن هناك لجنة هندسية ستقيّم حالة مبنى السنترال، وخطة هيكلة كاملة ستبدأ بعد انتهاء التبريد، فيما تباشر النيابة العامة والمعمل الجنائي التحقيقات لتحديد أسباب الحريق، مستبعدًا فرضية التخريب لحين انتهاء نتائج التحقيق الرسمي.
رغم الانقطاع الجزئي.. "الصحة": الإسعاف لم يتأثر والبدائل عملت بكفاءة
من جهته قال الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة والسكان، إن خدمات الإسعاف والرعاية العاجلة لم تتوقف رغم التحديات التي فرضها حادث حريق سنترال رمسيس، موضحًا أنه تم التعامل مع الموقف فورًا من خلال تفعيل خطط الطوارئ والتنسيق مع وزارة الاتصالات لتوفير البدائل الفنية اللازمة.
وأوضح "عبدالغفار" في تصريح خاص لـ"خمسة سياسة" أن الأرقام الهاتفية الأساسية 123 للإسعاف و137 للرعاية العاجلة تأثرت جزئيًا في بعض المناطق، إلا أن الوزارة سارعت إلى الإعلان عن أرقام بديلة تُمكن المواطنين من الوصول إلى الخدمات، كما تم تفعيل إمكانية التواصل عبر رقم النجدة 122، إضافة إلى أرقام أرضية ومحمولة تم نشرها على صفحات الوزارة الرسمية.
وأشار "عبدالغفار" إلى أن هيئة الإسعاف استقبلت خلال الفترة من مساء الإثنين وحتى صباح الثلاثاء نحو 52 ألف بلاغ، وهو ما يتماشى مع متوسطات البلاغات اليومية المعتادة، كما تلقى الخط الساخن 137 للرعاية العاجلة أكثر من 500 مكالمة خلال خمس ساعات فقط، ما يعكس استمرارية الخدمة رغم الانقطاع الجزئي للخطوط الرئيسية في بعض الشبكات.
وأكد المتحدث الرسمي باسم الوزارة أن البدائل التي تم تفعيلها نجحت في سد الفجوة الناتجة عن تعطل الشبكة الأمر الذي ساهم في الحفاظ على معدل الاستجابة وجودة تقديم الخدمة للمواطنين دون تأثر ملموس.
وأضاف "عبدالغفار" أن الشبكات عادت إلى العمل بكفاءة كبيرة في معظم المحافظات، باستثناء بعض المناطق التي لا تزال تستخدم الأرقام البديلة بشكل جزئي، مشيرًا إلى أن عودة الخدمة بشكل كامل متوقعة خلال ساعات قليلة، وقد تحققت بالفعل في مناطق عديدة.
وشدد على توجيه الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان باستمرار انعقاد غرفة الأزمات المركزية بديوان عام الوزارة، إلى جانب الغرف الفرعية في مديريات الصحة، لمتابعة الموقف ميدانيًا، والتأكد من استمرارية تقديم الخدمات الطبية والإسعافية دون انقطاع، مؤكدًا التزام الوزارة الكامل بضمان جاهزية المنظومة الصحية في مواجهة أي طارئ.