منذ انطلاقها في أثينا عام 1896، كان الهدف المعلن من الألعاب الأولمبية هو تعزيز السلام والتفاهم بين الشعوب عبر الرياضة؛ لكن الواقع أظهر أن السياسة كثيرًا ما اقتحمت الملاعب، لتتحول الدورات الأولمبية إلى ساحة تعكس التوترات الدولية، وتُستغل كأداة سياسية بقدر ما هي حدث رياضي.
أبرز مظاهر التسييس
أول وأبرز مظاهر التسييس تمثل في دورة برلين 1936، التي استغلها الزعيم النازي أدولف هتلر لتلميع صورة النظام الألماني، أراد هتلر تقديم ألمانيا كقوة متقدمة ومتحدة، غير أن انتصارات العداء الأمريكي من أصل إفريقي جيسي أوينز وجّهت صفعة قوية لخطاب "التفوق العرقي" النازي، هذه اللحظة أصبحت علامة بارزة على قدرة الرياضة على فضح الأيديولوجيات السياسية.
في العقود التالية، تكررت المقاطعات والصراعات بشكل متواتر، دورة ملبورن 1956 شهدت انسحاب عدة دول احتجاجًا على الغزو السوفيتي للمجر وعلى العدوان الثلاثي على مصر، وفي أولمبياد مكسيكو 1968، رفع العداءان الأمريكيان تومي سميث وجون كارلوس قبضتيهما باللون الأسود أثناء عزف النشيد الوطني، في واحدة من أشهر لحظات الاحتجاج السياسي ضد العنصرية في الولايات المتحدة.
الأولمبياد إلى ساحة صراع مفتوحة
أما الحرب الباردة، فقد حولت الأولمبياد إلى ساحة صراع مفتوحة، الولايات المتحدة قادت حملة لمقاطعة أولمبياد موسكو 1980 احتجاجًا على غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان، بمشاركة أكثر من 60 دولة.
وبعد أربع سنوات، رد المعسكر الشرقي بمقاطعة أولمبياد لوس أنجلوس 1984، وهو ما حرم الملايين من متابعة أبرز الرياضيين في العالم وأكد أن السياسة يمكن أن تعصف حتى بالروح الأولمبية.
وفي آسيا وأفريقيا، استخدمت الأولمبياد كمنصة لمعارضة التمييز العنصري. فقد قاطعت أكثر من 20 دولة إفريقية أولمبياد مونتريال 1976 بسبب مشاركة نيوزيلندا التي كانت على علاقة رياضية بجنوب إفريقيا الخاضعة آنذاك لنظام الفصل العنصري، كانت تلك المقاطعة رسالة قوية بأن الرياضة لا يمكن فصلها عن القضايا الأخلاقية والعدالة الاجتماعية.
حادثة الاعتداء الإرهابي في ميونيخ 1972
الصراعات لم تقتصر على المقاطعات فقط، بل امتدت إلى أرض الملعب، حادثة الاعتداء الإرهابي في ميونيخ 1972، عندما استهدفت منظمة "أيلول الأسود" الفريق الإسرائيلي، أبرزت كيف يمكن أن تتحول الألعاب إلى ساحة تصفية حسابات دموية، ومنذ ذلك الوقت، أصبحت الجوانب الأمنية جزءًا أساسيًا من تنظيم أي أولمبياد.
ورغم محاولات اللجنة الأولمبية الدولية الفصل بين الرياضة والسياسة، إلا أن التحديات لا تزال قائمة، النقاشات الأخيرة حول مشاركة روسيا في أولمبياد باريس 2024 بسبب الحرب في أوكرانيا أعادت إلى الأذهان الجدل التاريخي حول المقاطعات.
الملفت أن الأولمبياد رغم كل ذلك ما زالت تحتفظ بجاذبيتها كحدث يوحّد شعوب العالم؛ لكن تاريخها يثبت أن الشعارات المثالية لا تكفي وحدها، وأن السياسة ستبقى لاعبًا حاضرًا في كل دورة، سواء من خلال المقاطعات أو الاحتجاجات أو حتى المنافسات الرمزية بين الدول.