تعدّ الألعاب الأولمبية في موسكو عام 1980 واحدة من أكثر الأحداث الرياضية إثارة للجدل في التاريخ الحديث، ليس بسبب الأداء الرياضي، بل بسبب المقاطعة الواسعة النطاق التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية.
كانت تلك المقاطعة ردًا على الغزو السوفيتي لأفغانستان في ديسمبر 1979، وتحولت الألعاب التي كان من المفترض أن تكون رمزًا للوحدة العالمية إلى ساحة صراع سياسي بين القوتين العظميين خلال الحرب الباردة.
بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان، اعتبرت الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس جيمي كارتر هذا الفعل تهديدًا خطيرًا للأمن العالمي، وفي 20 يناير 1980، أعلن كارتر عن سلسلة من الإجراءات العقابية ضد الاتحاد السوفيتي، كان أبرزها تهديده بمقاطعة الألعاب الأولمبية الصيفية ما لم تنسحب القوات السوفيتية من أفغانستان بحلول 20 فبراير، لم يستجب الاتحاد السوفيتي، مما دفع الولايات المتحدة لتنفيذ تهديدها، ودعت حلفاءها حول العالم للانضمام إلى المقاطعة.
كانت الحجة الأساسية للمقاطعة هي أن استضافة الاتحاد السوفيتي للألعاب الأولمبية في ظل احتلاله لأفغانستان يمنح شرعية دولية لنظام لا يحترم حقوق الإنسان وسيادة الدول، وقد اعتبرت الإدارة الأمريكية أن المشاركة في الألعاب ستكون بمثابة دعم غير مباشر للعدوان السوفيتي.
أدت المقاطعة إلى انقسام كبير في المجتمع الدولي، انضمت أكثر من 60 دولة إلى المقاطعة، بما في ذلك دول كبرى مثل ألمانيا الغربية واليابان وكندا، بالإضافة إلى الصين التي كانت في مرحلة تحسن علاقاتها مع الولايات المتحدة.
كان لهذا القرار تأثير كبير على جودة المنافسات، حيث غاب العديد من أفضل الرياضيين في العالم، على سبيل المثال، في ألعاب القوى والسباحة، حيث كانت الولايات المتحدة قوة عظمى، أثرت المقاطعة بشكل مباشر على المستويات التنافسية، ومع ذلك، لم تكن المقاطعة شاملة، حيث شاركت بعض الدول الغربية بشكل فردي، مثل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، على الرغم من أن حكوماتهم أيدت المقاطعة، وقد سمح لهؤلاء الرياضيين بالمشاركة تحت العلم الأولمبي بدلاً من علم بلادهم.
هذا الانقسام داخل المعسكر الغربي أظهر حجم الضغط السياسي الذي تعرضت له الدول لاتخاذ قرار المقاطعة.
من الناحية السياسية، اعتبرت المقاطعة وسيلة للضغط على الاتحاد السوفيتي؛ لكن تأثيرها الفعلي على الانسحاب من أفغانستان كان محدودًا، بل على العكس، أدت المقاطعة إلى رد فعل انتقامي من الاتحاد السوفيتي، الذي قاد مقاطعة مضادة للألعاب الأولمبية الصيفية في لوس أنجلوس عام 1984، هذا التبادل للمقاطعات ألحق ضررًا كبيرًا بالحركة الأولمبية وأثر على مبدأها الأساسي المتمثل في توحيد الشعوب من خلال الرياضة.
على الصعيد الرياضي، حُرم جيل كامل من الرياضيين الموهوبين في كلا المعسكرين من فرصة المنافسة على الميداليات الأولمبية، وهو حلم يراودهم مدى الحياة، لقد أثبتت مقاطعة 1980 أن الرياضة ليست بمنأى عن السياسة، وأنها قد تكون أداة قوية في أيدي الحكومات، حتى وإن كان الثمن هو تدمير أحلام الرياضيين.