تعد مدينة بريتوريا، العاصمة الإدارية لجنوب أفريقيا، أكثر من مجرد مركز للحكم؛ فهي رمز تاريخي يجسد فترة مظلمة من العزلة السياسية والعنصرية التي عانت منها البلاد، والمعروفة باسم "الأبارتايد".. وقد أثر هذا النظام بشكل مباشر وقاسٍ على الرياضة في البلاد، مما دفع المجتمع الدولي لفرض مقاطعة رياضية شاملة أقصت جنوب أفريقيا عن المحافل الدولية لسنوات طويلة.
كانت بريتوريا، التي يغلب على سكانها البيض من أصول أوروبية (الأفريكان)، المقر الرئيسي لسياسات الفصل العنصري، ومن هذه المدينة، كانت تُصدر القوانين والتشريعات التي رسخت التمييز العنصري، وحرمت الأغلبية السوداء من حقوقها الأساسية، بما في ذلك المشاركة في الأنشطة الرياضية على قدم المساواة، لم يكن للرياضيين السود أي فرصة لتمثيل بلادهم في المحافل الدولية، وكانت المنافسات الداخلية تقتصر على البيض فقط.
نتيجة لسياسات الأبارتايد، فرض المجتمع الدولي حصارًا على جنوب أفريقيا في كافة المجالات، وكان للرياضة نصيب كبير من هذه العقوبات، بداية من عام 1964، تم استبعاد جنوب أفريقيا من الألعاب الأولمبية، واستمر هذا الحظر حتى عام 1992، وشملت المقاطعة أيضًا رياضات أخرى مثل كرة القدم والكريكت والرجبي.
هذه المقاطعة لم تكن مجرد عقوبة رمزية، بل كانت أداة ضغط سياسي فعالة، وقد تسببت في عزل الحظر جيلًا كاملًا من الرياضيين الجنوب أفريقيين، بغض النظر عن لون بشرتهم، عن المشاركة في المنافسات العالمية، ورغم أن المقاطعة كانت موجهة ضد الحكومة العنصرية، إلا أن آثارها امتدت للجميع.
وأصبحت الرياضة في جنوب أفريقيا معزولة تمامًا عن التطورات العالمية، فلم تتمكن الفرق من خوض مباريات ودية مع فرق دولية، وفقدت الجماهير فرصة متابعة نجوم بلادها في البطولات الكبرى.
وساهمت المقاطعة الرياضية في تسليط الضوء على انتهاكات نظام الأبارتايد، وتحويل الرياضة إلى قضية حقوقية وسياسية.
بعد انهيار نظام الأبارتايد في أوائل التسعينيات، لعبت الرياضة دورًا محوريًا في عملية المصالحة الوطنية، كانت عودة جنوب أفريقيا للمشاركة في الألعاب الأولمبية في برشلونة عام 1992 بمثابة لحظة تاريخية.
لكن اللحظة الأبرز كانت استضافة كأس العالم للرجبي عام 1995، في هذا الحدث، دعم الرئيس نيلسون مانديلا، الذي كان قد قضى سنوات طويلة في السجن بسبب نضاله ضد الأبارتايد، فريق الرجبي الوطني الذي كان يعتبر رمزًا لبيض جنوب أفريقيا، عندما ارتدى مانديلا قميص الفريق وشارك في الاحتفال باللقب، أرسل رسالة قوية للعالم بأن الرياضة يمكن أن تكون جسرًا للتسامح والوحدة، وتساعد على محو آثار الماضي.