لم يكن محمد علي كلاي مجرد ملاكم عظيم، بل كان شخصية محورية أثرت وتأثرت بعمق بالأحداث السياسية في عصره، منذ بداياته في مدينة لويفيل بولاية كنتاكي في ظل نظام الفصل العنصري، مرورًا بقراراته الجريئة التي هزت المجتمع الأمريكي، وصولًا إلى دعوته للإسلام، كان كلاي دائمًا في قلب الجدل، رافضاً الخضوع للظلم أو القبول بالواقع السياسي القائم.
تُعدّ أبرز المواقف السياسية في حياة محمد علي هي رفضه الالتحاق بالجيش الأمريكي للمشاركة في حرب فيتنام عام 1967، في ذلك الوقت، كان كلاي بطل العالم في الوزن الثقيل، وكان موقفه هذا بمثابة صدمة للساسة والمجتمع الأمريكي، وقد برّر كلاي رفضه قائلاً: "ليس لدي أي مشكلة مع الفيت كونغ، لم ينعتني أي شخص من الفيت كونغ بالزنجي".. وقد أشار إلى دوافعه الدينية كمسلم وإلى معارضته لمبدأ الحرب بشكل عام، نتيجة لهذا الموقف، جُرّد من لقبه في الملاكمة، ومُنع من ممارسة رياضته لثلاث سنوات ونصف، وصدر بحقه حكم بالسجن، وعلى الرغم من أنه لم يقضِ وقتًا في السجن، إلا أن هذه الفترة كلفته ثمنًا باهظًا على المستوى المهني والمالي، ومع ذلك، كان موقفه سببًا في تحويله من مجرد رياضي إلى أيقونة عالمية للمقاومة السلمية والمعارضة السياسية.
تأثر شخصية محمد علي كلاي بالبيئة العنصرية التي نشأ فيها،
عانى محمد على كلاي من التمييز بسبب لون بشرته، حتى بعد فوزه بالميدالية الذهبية الأولمبية عام 1960، وقد ألقى ميداليته في نهر أوهايو تعبيرًا عن إحباطه من واقع المجتمع الأمريكي آنذاك. انضمامه إلى جماعة "أمة الإسلام" وتغيير أسمه من كاسيوس كلاي إلى محمد علي لم يكن قرارًا دينيًا فحسب، بل كان له بعد سياسي عميق، لقد كان يرفض "أسم العبودية" الذي أُعطى له، واختار اسمًا يعكس هويته الدينية والفكرية الجديدة، وهو ما كان بمثابة إعلان عن فخره بهويته السوداء والإسلامية في مجتمع كان لا يزال يعاني من التمييز.
بعد عودته إلى الحلبة وتأكيد مكانته كأعظم ملاكم في التاريخ، لم يتخلَّ محمد علي عن دوره كصوت للمهمشين، استخدم شهرته للدعوة إلى السلام والتسامح بين الأديان، وعارض العنف الذي ينسب زورًا للإسلام، كما سافر في مهام إنسانية إلى بلدان مختلفة، وعمل على إيصال المساعدات، وناصر قضايا حقوق الإنسان حول العالم، وفي عام 1990، سافر إلى العراق للتفاوض من أجل إطلاق سراح رهائن أمريكيين، وهو ما أظهر ثقته في قدرة الحوار على حل الأزمات السياسية.
كان تأثير السياسة على محمد علي كلاي واضحًا ومباشرًا، فقد غيرت مساره الرياضي بشكل جذري؛ لكن الأهم من ذلك، هو دوره في تشكيل وعي سياسي لدى الملايين من الناس حول العالم، لقد أثبت أن الرياضي يمكن أن يكون أكثر من مجرد نجم في ميدانه، بل يمكن أن يكون صوتًا قويًا للعدالة، ومثالًا للمثابرة في وجه الظلم، ورمزًا حقيقيًا للقوة التي تتجاوز حلبة الملاكمة.