لم تكن الرياضة في مصر القديمة مجرد وسيلة للترفيه، بل كانت جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي والديني للحضارة الفرعونية، كانت تمثل الاستعداد للحرب، والطقوس الدينية، والترفيه عن الملوك، بالإضافة إلى أنها كانت وسيلة للتعبير عن القوة والرشاقة والمهارة البدنية.
من النقوش على جدران المعابد والمقابر، يمكننا أن نرى كيف كانت الحياة اليومية للفراعنة مليئة بالنشاطات البدنية التي تشبه رياضاتنا الحديثة بشكل مدهش.
تعتبر المصارعة واحدة من أبرز وأقدم الرياضات التي مارسها المصريون القدماء، تُظهر النقوش الجدارية في مقبرة بني حسن الآلاف من اللوحات التي تصور أوضاعاً مختلفة للمصارعة، مما يدل على أنها كانت رياضة شعبية للغاية، كانت المصارعة لا تقتصر على كونها تدريباً عسكرياً للمحاربين، بل كانت أيضاً حدثاً رياضياً منظماً يتم فيه إقامة مسابقات يشارك فيها المصارعون في مباريات فردية، كان الهدف هو طرح الخصم أرضاً باستخدام مجموعة متنوعة من الحركات والتقنيات التي تشبه المصارعة الرومانية الحرة.
ولعب نهر النيل دوراً محورياً في حياة الفراعنة، ولذلك لم يكن غريباً أن تكون الرياضات المائية جزءاً هاماً من نشاطاتهم، كانت التجديف والسباحة من المهارات الأساسية التي يجب أن يتقنها الجميع، تُظهر بعض النقوش الفراعنة وهم يمارسون السباحة بشكل فردي أو جماعي، كما كان الصيد، سواء في النيل أو في الصحراء، يُعتبر رياضة ومهارة حيوية، كان الفراعنة يصطادون الحيوانات البرية مثل الأسود والغزلان، بالإضافة إلى صيد الأسماك والطيور المائية، مما كان يتطلب قوة بدنية ومهارة عالية في استخدام القوس والسهم أو الرماح.
وإلى جانب الرياضات الجادة، كان المصريون القدماء يستمتعون أيضاً بألعاب ترفيهية تُبرز القوة والرشاقة، كانت الجمباز والأكروبات من الأنشطة التي تمارس في الأعياد والمناسبات الهامة، حيث كانت الفرق تؤدي حركات بهلوانية معقدة، كما مارسوا ألعاباً تشبه هوكي العشب، حيث كانوا يستخدمون عصي ومنحنيات لضرب كرة مصنوعة من ألياف النخيل.
ومن الرياضات التي لاقت اهتماماً كبيراً أيضاً، القفز، كان يُمارس كتدريب بدني ورياضة، ورفع الأثقال حيث كان يتم اختبار القوة البدنية برفع أوزان ثقيلة.
الجري كان يُمارس كجزء من التدريبات العسكرية وأيضاً في الاحتفالات الدينية.
الرياضة كطقس ديني وسياسي لم تكن الرياضة منفصلة عن الجانب الديني والسياسي للحياة في مصر القديمة، فعلى سبيل المثال، كان الجري الاحتفالي جزءاً من طقوس تتويج الملك، حيث كان الملك يركض حول الجدران المقدسة للمعابد ليثبت قدرته البدنية على حكم البلاد، هذا الربط بين القوة الجسدية والسلطة الملكية يؤكد على أهمية اللياقة البدنية كرمز للقوة والحكم الرشيد.
لم تكن الرياضة لدى الفراعنة مجرد ترف، بل كانت أداة لبناء أمة قوية، وتجهيز المحاربين، ووسيلة للتعبير عن الفن والقوة، وربط الجانب البدني بالروحي، لقد تركوا لنا إرثاً غنياً يثبت أن حب النشاط البدني يعود إلى آلاف السنين، وأن الرياضة كانت دائماً جزءاً أساسياً من رحلة الإنسان نحو الكمال.