كان البرجان المعروفان بمركز التجارة العالمي، أبرز معالم نيو يورك، اكتمل بناؤهما في 1973، بارتفاع 110 طوابق، ليصبحا القلب النابض للمدينة.

لكن في 11 سبتمبر ٢٠٠١، تغيرت وجهة المدينة إلى الأبد، إثر الهجوم الذي هدم حلم بدأ قبل أكثر من 60 عاما.

وتحول مكان البرجين التوأم الشهيرين إلى نصب تذكارية تحمل اسم الضحايا، بعدما انهارا في هجوم 11 سبتمبر، وكُتب اسم الضحايا على النصب التذكاري.

مركز التجارة العالمي.. ولادة الحلم

في عام 1939، ضمت مدينة نيو يورك معرضا، أُطلق عليه اسم "مركز التجارة العالمي"، كان هذا المعرض يهدف لترسيخ مفهوم "السلام العالمي من خلال التجارة". 
وبعد سبع سنوات، ترأس "وينثروب دبليو ألدريتش"، أحد منظمي المعرض، وكالة حكومية جديدة بهدف إنشاء معرض تجاري دائم في نيويورك، إلا أن دراسات السوق أشارت إلى أن المدينة تحتاج بشكل أكبر إلى تحديث موانئها، ليلغي "ألدريتش" خطتة.

وفي عام 1959، جا "ديفيد روكفلر"، ابن أخ ألدريتش، صاحب الفكرة الأصلي، وكان مخلصا له، فقرر تأسيسِ جمعية لبناء مركز التجارة العالمي، ويبدأ تنفيذ الحلم.

حصل المهندس المعماري "مينورو ياماساكي"، على حق تصميم المركز التجاري العالمي، وصمم برجين، كل منهما بارتفاع 110 طوابق، وبدلاً من البناء التقليدي في العديد من ناطحات السحاب في نيويورك، كان يعمل "مينورو" لابتكار تصميم ثوري، عبارة عن مبنيين مجوفين، مدعومان بأعمدة فولاذية متقاربة ومغلفة بالألمنيوم، ومربوطة بدعامات أرضية، وبهذا التصميم، لم يحتج المبنى إلى أعمدة داخلية.

تنبأ بالحادث

بسبب تصميم المبنى واجه المشروع انتقادات شديدة تتعلق بسلامته وقدرته على التحمل، لكن بدأ البناء في فبراير 1967.
كان من أهم الانتقادات التي وُجهت للمبنى، هو الانتقاد الذي صدر من قطب العقارات لورانس وين، حتى أنه قاد حملة ضد استكمال المشروع، ونشر إعلانا في صحيفة نيويورك تايمز في مايو 1968، متوقعًا انهيار البرجين إثر اصطدام طائرة ركاب تجارية بالبرجين، لضعف التصميم.

هذا الإعلان أصبح جز من نظرية المؤامرة بعد حدوث الهجمات بالفعل.

صورة الإعلان

ولتفادي الانتقادات، تم استخدام مواد بناء تتحمل الاصطدام بطائرة 707 محملة بالكامل (أكبر طائرة موجودة آنذاك)

شارك 10 آلاف عامل في بناء البرجين الرئيسيين لمركز التجارة العالمي، المكون من 7 مبان، ليحتوي كل برج على  مصعدًا للركاب بسرعة تصل إلى 500 متر في الدقيقة، لنقل الزوار بين الطوابق الـ 110، بطول 415 متر، وهما أعلى مبنيان في المدينة والعالم آنذاك.

ومع الوقت اكتسب البرجان شعبية كبيرة، بعد الافتتاح الرسمي في 1973، وزاد الطلب على تأجير المكاتب في البرجين، حتى وصلت إيرادات البرجين إلى 204 ملايين دولار.

الاختبار الأول.. تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993

في فبراير 1993، تعرض مركز التجارة العالمي لأول اختبار كبير لسلامة الهيكل، حينما تعرض لعمل إرهابي، وانفجرت قنبلة بقوة تدميرية تعادل 2200 رطل من مادة "تي إن تي" بالطابق الثاني في البرج الشمالي، وأسفر الانفجار عن مقتل ستة أشخاص وإصابة أكثر من ألف آخرين، وتسبب في أضرار تُقدر بنحو 600 مليون دولار.

أُعيد فتح الأبراج بعد 20 يومًا من التفجير، مع تطبيق إجراءات أمنية جديدة، شملت قيودًا على دخول مواقف السيارات وبطاقات هوية إلكترونية لسكان المبنى، واستحداث مركز قيادة طوارئ عالي التقنية  مكون من 47 طابقًا ملاصق للبرجين.

مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر

قبل شهرين فقط من هجمات 11 سبتمبر، حصل "لاري سيلفرشتاين"، وهو مطور عقاري من مدينة نيويورك، على عقد بتأجير البرجين، لمدة 99 عاما، مقابل دفع 3.2 مليار دولار.

تأثير الطائرتين اللتين ضربتا برجي مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر كان أشد تدميرًا مما تصوره أيٌّ من مصممي ومهندسي المبنى، حيث أحدثت الطائرة الأولى ثقبًا في البرج الشمالي من الطابق 94 إلى الطابق 98، مسببةً أضرارًا هيكلية جسيمة، أما الطائرة الثانية، فقد ضربت البرج الجنوبي بسرعة أكبر، حيث ضربت الزاوية، وأحدثت شقوقًا في المبنى من الطابق 84 إلى الطابق 78، وذلك بخلاف 10000 جالون من الوقود الذي أشعل النيران في المباني.

وبجانب الأضرار الجسيمة في هياكل المبنى، أدت النيران إلى إضعاف الدعامات الفولاذية التي تحمل كل طابق، ومع تأثير ما يشبه لعبة الدومينو، انهار المبنيان وبقية المبان الـ7 في النهاية.

واستمرت أعمال إزالة الأنقاض وانتشال الضحايا لمدة عام كامل بعد الهجوم.

إعادة البناء

أطلقت الولايات المتحدة مسابقتين، الأولى لتصميم برج بدلا من المنهارين، والثانية لتصميم نصب تذكاري للضحايا.

وأعادت أمريكا بناء مركز التجارة العالمي، هذه المرة باسم "One World Trade" أو "برج الحرية"، وهو أعلى من البرجين السابقين، حيث يبلغ ارتفاعه 1776 قدمًا، ويُعدّ أطول مبنى في الولايات المتحدة ونصف الكرة الغربي، وبُني على مبنى مركز التجارة العالمي الأصلي رقم 6، وقد صممه المهندس المعماري دانيال ليبسكيند في الأصل ليكون برجًا غير متماثل مستوحى من تمثال الحرية.

وفي عام ٢٠٠٤، تولى المهندس المعماري ديفيد تشايلدز، المعروف بتصميمه برج خليفة وبرج ويليس، مهمة المشروع. ووُضع حجر الأساس في ٤ يوليو ٢٠٠٤، واستمر البناء 10 سنوات ليُفتتح في ٣ نوفمبر ٢٠١٤، بارتفاع  طوابق.

أما بقية الأبراج الستة، فقد حل مكانها بنايات أخرى، افتتح أولهم في 2006، والثاني مكان البرج رقم 4 في عام 2013، بتكلفة 2 مليار دولار، بالإضافة إلى مبنى "Oculus" المصمم من الزجاج والصلب، في عام 2016، أما المركز رقم 3 الذي يبلغ ارتفاعه 1155 قدمًا فتم افتتاحه عام 2018. ولا يزال مركز التجارة العالمي 2 ومركز التجارة العالمي 5 من تصميم سيلفرشتاين غير مكتملين.

ويضم موقع مركز التجارة العالمي المُعاد بناؤه، والذي تبلغ مساحته 16 فدانًا، النصب التذكاري لضحايا 11 سبتمبر، والذي صممه مايكل أراد. يتضمن تصميمه، "انعكاس الغياب"، بحيرتين عاكستين في موقع برجي مركز التجارة العالمي السابقين، محاطتين بألواح برونزية تحمل أسماء جميع ضحايا هجمات مركز التجارة العالمي عامي 1993 و2001.