لم تكن حرب السادس من أكتوبر عام 1973 مجرد معركة عسكرية؛ لقد كانت نقطة تحول عميقة أعادت للمصريين ثقتهم بأنفسهم وبعزيمتهم وقدرتهم على الإنجاز، وهو ما انعكس بشكل مباشر وقوي على الرياضة المصرية التي تحولت من فترة خمول وتراجع بعد نكسة 1967، إلى انطلاقة جديدة قائمة على روح الإصرار والتحدي.
قبل بدء المعركة، لعبت الرياضة دورًا محوريًا ضمن خطة الخداع الاستراتيجي للعدو، حيث استمرت مباريات الدوري المصري بصورة طبيعية لتوحي بأن البلاد تعيش في هدوء، ومن أبرز الأحداث التي لا تُنسى في هذا السياق هي المباراة التي أقيمت بين فريقي غزل المحلة والطيران يوم 6 أكتوبر 1973، والتي تزامنت مع ساعة الصفر، حيث هتفت الجماهير لتحية الطيران الحربي المصري فور سماع خبر العبور.
بمجرد إعلان الانتصار، توقف النشاط الرياضي فورًا، وألغى الاتحاد المصري لكرة القدم موسم 1973-1974.. تحولت الأندية الكبرى إلى مراكز دعم لوجستي؛ فالأهلي فتح أبوابه للتبرع بالدم، وتحول لاعبوها إلى فدائيين ومجندين.
كانت حرب أكتوبر ملحمة شارك فيها الرياضيون كجنود على خط النار، هذه المشاركة عززت من الروابط بين الرياضة والوطنية.. ومن أبرز الأمثلة الجنرال محمود الجوهري الأسطورة التدريبية لاحقًا، كان ضابطًا برتبة مقدم في سلاح الإشارة، وشارك بفعالية في الحرب، قبل أن يعتزل الكرة ويتفرغ للتدريب.
وايضًا حمادة إمام "الثعلب الكبير" ونجم الزمالك، كان أحد الضباط المشاركين في الحرب.. إلى جانب سمير زاهر رئيس اتحاد الكرة لاحقًا في فترته الذهبية، شارك كجندي في قوات المشاة.. واللواء محمد عبدالعزيز قابيل لاعب الزمالك السابق، الذي كان قائد الفرقة الرابعة المدرعة أثناء الحرب.
لقد عاد هؤلاء الأبطال من ميدان المعركة ليتولوا مناصب قيادية وإدارية في المؤسسات الرياضية، حاملين معهم روح الانضباط والنجاح العسكري.
الروح الجديدة التي زرعها النصر لم تقتصر على الهياكل الإدارية، بل انعكست على أداء الفرق المصرية بعد عودة النشاط الكروي في موسم 1974-1975.
أعطت الثقة المُستعادة دفعة هائلة للكرة المصرية للسيطرة أفريقيًا حيث شهدت فترة ما بعد النصر بداية التوهج الحقيقي للأندية المصرية في البطولات القارية، بدأت الأندية المصرية في حصد الألقاب الأفريقية بانتظام.
الأهم من ذلك، بعد غياب دام 56 عامًا منذ أول مشاركة في 1934، نجح منتخب مصر بقيادة الجنرال محمود الجوهري في تحقيق الإنجاز الأكبر بالوصول إلى نهائيات كأس العالم 1990 بإيطاليا، مُعيدًا الكرة المصرية للمحفل العالمي.