مع اقتراب موسم الفيضان على الهضبة الإثيوبية، تزداد التساؤلات حول موقف سد النهضة، والموعد المحتمل لما يعرف "بالفتح الإجباري"، ذلك المصطلح الذي أصبح يتردد كثيرًا مؤخرًا في تقارير الخبراء ومتابعي الشأن المائي في المنطقة. فهل باتت إثيوبيا بالفعل على أعتاب فتح اضطراري للسد؟ وما الذي تقوله الأرض والسماء والخرائط والصور الجوية عن حقيقة الوضع هناك؟
خلال الأسابيع الماضية، رصدت الأقمار الصناعية زيادة طفيفة في منسوب بحيرة سد النهضة، بعد أن كان قد انخفض إلى نحو 54 مليار متر مكعب منتصف يونيو الجاري، مقارنةً بـ60 مليار متر مكعب سُجلت في سبتمبر الماضي عند اكتمال الجولة الخامسة من التخزين. هذه الزيادة تبدو منطقية في ظل ما تشير إليه التنبؤات المناخية الصادرة عن مركز IGAD للتنبؤات المناخية وتطبيقات المناخ في شرق إفريقيا، والتي تؤكد أن معدلات الأمطار على الهضبة الإثيوبية لهذا الموسم أعلى من المتوسط، وقد ترتفع كميات الإيراد المائي اليومي من 80 مليون متر مكعب حاليًا إلى أكثر من 225 مليون متر مكعب خلال يوليو القادم.
لكن الأهم مما يقوله المناخ، هو ما لا تقوله إثيوبيا. فرغم كل هذه التطورات، لا تزال الحكومة الإثيوبية تلتزم الصمت تجاه تفاصيل تشغيل السد، سواء على مستوى التوربينات أو بوابات المفيض. الصور الفضائية أظهرت أن المياه تخرج فقط من التوربينين المنخفضين، بينما يبدو أن التوربينات الأربعة العلوية لا تعمل، ما يعزز الفرضية القائلة بأن إثيوبيا ربما تتعمد تأخير التصريف لتعظيم حجم التخزين قبل أن تصبح مضطرة للفتح.
ومع تصاعد حجم الأمطار وتزايد المخزون، يقترب السد من الوصول إلى منسوب 638 مترًا فوق سطح البحر، وهو المنسوب الذي بحسب تقارير فنية عدة يشكل الحد الحرج الذي يجب عنده فتح بوابات المفيض، إما لتفادي خطر فيضانات مفاجئة أو للحفاظ على السلامة الإنشائية للسد.
وفي هذا السياق، أشار الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، إلى أن استمرار التشغيل المحدود للتوربينات السفلية، مع ازدياد كميات الأمطار وبلوغ منسوب التخزين إلى هذا الحد، يجعل إثيوبيا أقرب ما تكون إلى الفتح الإجباري خلال النصف الثاني من يوليو. ولفت شراقي في تصريحات إعلامية إلى أن الفتح قد لا يكون اختيارًا، بل ضرورة فنية لحماية جسم السد، خاصةً أن غياب تشغيل التوربينات العلوية وعدم وجود تصريف كافٍ عبر بوابات المفيض سيؤدي إلى ضغط كبير على السد الرئيسى والركامي في آن واحد.
التقديرات الفنية تشير إلى أن هذا الموعد قد لا يتجاوز 20 يوليو، أي بعد أقل من شهر، وهو ما يطرح علامات استفهام عديدة: هل تنتظر إثيوبيا لحظة الضغط القصوى لتفتح البوابات؟ وإن فعلت، هل سيكون الفتح تدريجيًا ومدروسًا أم مفاجئًا وغير منسق مع دول المصب؟
الأسئلة لا تقف عند هذا الحد. فالوضع المعقد يفتح الباب أمام تساؤلات أكثر عمقًا حول قدرة السد، تحديدًا السد الركامي المكمل، على تحمل ضغط مائي مفاجئ وكثيف إذا تزامن فتح المفيض مع ذروة الفيضان. البعض يرى أن التصميم يحتمل هذا السيناريو، لكن آخرين يبدون تحفظاتهم، خاصة مع غياب الشفافية والمعلومات الدقيقة حول حالة جسم السد ونظام التصريف الطارئ.
وسط هذا الغموض، تظل مصر والسودان في موقف الترقب الحذر. كلا الدولتين يعتمدان بدرجة كبيرة على توقيت فتح السد وكميات المياه التي سيتم تمريرها خلال يوليو وأغسطس. وفي ظل غياب اتفاق قانوني ملزم يُنظم عملية التشغيل، يبدو أن سيناريو المفاجأة ما زال قائمًا، وهو سيناريو لا تريده أي من العواصم الثلاث.
في النهاية، لا يمكن الجزم بما تخطط له إثيوبيا، ولا كيف ستتفاعل مع ارتفاع منسوب السد خلال أسابيع قليلة. لكن المؤكد أن لحظة حاسمة تقترب، ربما بصمت، وربما بضجيج كبير. فهل نشهد فتحًا إجباريًا بحلول 20 يوليو؟ أم أن إدارة السد تسير وفق خطة غير معلنة تراعي اعتبارات الفيضان والأمان معًا؟ وماذا إن أخطأ التقدير؟ وهل تبقى إثيوبيا قادرة على السيطرة على أحد أخطر مشاريع البنية التحتية في إفريقيا دون اتفاق واضح ومعايير ملزمة؟
الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن لا تزال حبيسة خلف جدران السد.