الشاب دا... نزل من بيته بعد خناقة مع والده، واختفى.

والموساد والمخابرات المصرية -في آنٍ واحد- عبر عملائهم ورجالهم، كانوا بينبشوا كل حجر في القاهرة بحثًا عنه.

حنسميه "فؤاد"، لأن دا كان اسم الشهرة اللي اتشهر به في الفترة دي... ودا في الحقيقة اسم والده، مش اسمه.

شاب مصري عادي، من حي الغورية، افتتن من صغره بالغورية وجمالها وآثارها. أحب الأدب والفن والغناء بسبب والده، اللي كان بيستضيف فوق سطح منزله صالونًا أدبيًا صغيرًا بشكل دوري.

كان مثقفًا، وبيقرأ كتير جدًا، وبقى راغب في الاطلاع على ثقافات مختلفة، فقرر يتعلم لغات كثيرة.

لكن الظروف اتغيرت، وبسبب الحرب وضربة 67، باعوا البيت وانتقلوا من الغورية إلى شقة في شارع عبد العزيز.

وهناك بدأ "فؤاد" يتعرف على وجوه جديدة من جنسيات مختلفة: إيطالية ويونانية وإنجليزية. ومن ضمنهم جارته الشابة الإيطالية الحسناء "يولندا".

أحب "فؤاد" جارته "يولندا"، وهي كانت خارجة من قصة حب فاشلة، فبادلته الحب. وبدأ يخرج معاها، ويقابل أصدقاءها اللي كانوا شبابًا أوروبيين...
ويهود.

ومن أجل عيون "يولندا"، اتعلم اللغة الخامسة: الإيطالية.

ومع إتقانه لخمس لغات تقريبًا، قدم لمنحة في الجامعة اللي هي كانت هتدرس فيها. وبالفعل فاز بالبعثة المجانية للدراسة في جامعة بيروجيا الإيطالية، وسافر علشان يدرس هناك.

في بيروجيا، استقر عند سيدة عجوز اسمها "سنيورا كاجيني"، مالكة بنسيون، عاملته كأنه ابنها. قضى عندها أول ترم، ثم رجع مصر.

ولما رجع، جري يزور "يولندا"، لكنها فاجأته برسالة: انتهى كل شيء بينهما، لأنها تصالحت مع حبيبها القديم وسافروا عشان يتجوزوا.

لم ينهَر "فؤاد"، بل دفن حزنه في المذاكرة، وكمل المنحة في جامعة بيروجيا، ورجع سافر لها.

مرة، كان بيلعب بلياردو مع زملائه، وقابل شاب أجنبي، شكله إيطالي، لكنه بيتكلم عربي بطلاقة. كان بيعمل حركات خفة يد وسحر مسرحي. انبهر به الجميع، وبقى صديقهم.

لكنه كان مركزًا جدًا مع "فؤاد" بالذات. وقال له إنه تاجر وبيشتغل جنب الدراسة، وبيكسب كتير. ومع الفلوس، جت السهرات والبنات والخمور.

انبهر "فؤاد" أكثر، لكنه شعر بشيء غامض. وفي ليلة، بعد سهرة، انفرد به الشاب، وبدأ يتكلم عن إسرائيل واليهود.

أثار ده الكلام شكوك "فؤاد"، فقرر يخدعه، وقال له إن جده كان يهودي، لكنه أسلم وتزوج، وفضل يربي أولاده على القيم اليهودية.

فرح الشاب، وقال له إنه هو كمان يهودي إسرائيلي.

وقدم له شخصًا جديدًا: "جوناثان شميت"، وسابه معاه. ودي كانت آخر مرة يشوفه.

"جوناثان" صارحه إنه من منظمة لمحاربة الاستعمار وطلبه للعمل معهم مقابل راتب شهري.

وافق "فؤاد"، وبدأ تدريباته: الحبر السري، الرتب العسكرية، رسم الكباري...

لكنه أدرك الحقيقة: أنه يُجهز ليكون جاسوسًا.

طلب "جوناثان" منه إنه يتطوع في الجيش لما يرجع مصر. وأعطاه فلوسًا وفلاير فيه صورته وهو بيغني، عشان يبرر لأهله مصادر الفلوس.

وبينما هو هناك، زاره أخوه "سامي" من مصر. حكى له كل حاجة، وطلب منه "فؤاد" السرية. وافق "سامي"، لكنه لما رجع مصر، حكى لأبوه.

الأب توجه للمخابرات العامة.

ولما رجع "فؤاد" لمصر، راح مع والده مباشرة لمقر المخابرات. وهناك رفض الكلام إلا أمام شخص معين.

وكان هذا الشخص هو... الرئيس جمال عبد الناصر.

قابل الرئيس، وسمعه لأكثر من 30 دقيقة. وبعدها قال له: "دورك ما انتهاش... هتشتغل معانا تحت إشرافي شخصيًا".

وبالفعل، بدأ "فؤاد" شغله مع المخابرات.

وأرسل معلومات للموساد، معلومات حقيقية ومدروسة، تثير الثقة ولا تفضح أمره.

وفي يوم، طلب منه "جوناثان" تجنيد قريب له في القوات المسلحة، وكان ده اختبار.

"فؤاد" رفض بمنطقية، فزاد احترام الموساد له.

لكن في يوم تاني، وهو بيكتب رسالة بالحبر السري، أخطأ في بعض الرموز، وصححها له ضابط المخابرات. وتذكر لاحقًا أن "فؤاد" لا يعرف هذه الرموز أصلاً.

خاف الضابط، وخرج يجري يدور عليه، لكن الشاب اختفى.

في نفس الوقت، كان الموساد قلق، وبدأ يبحث عنه...

لكنه كان مريض، راقد في إمبابة عند صديقه.

ولما عثروا عليه، تم تصحيح الرسالة وإرسالها.

وهنا تدخَّل القدر: لو لم يطرده والده، كان أرسل الرسالة الخطأ، وانكشف.

استمر "فؤاد" في إرسال الرسائل، وطالب بمصاريف أكثر.

أرسلوا له 3 آلاف دولار داخل مظاريف من القاهرة، في صندوق بريد. وده أكد وجود شبكة عملاء داخل مصر.

بدأت المخابرات تجهز للإيقاع بالشبكة.

ثم طلب الموساد من "فؤاد" السفر إلى روما. وهناك استجوبوه، لكنه صمد، وازدادوا ثقة به.

رجع مصر بأوامر جديدة. استأجر شقة في قصر العيني، وطلب فلوس زيادة.

وافقوا، وبعتوا له رقم صندوق بريد في الإسكندرية، ليحط فيه أسرارًا.

وتم كشف أكبر شبكة تجسس بعد الحرب العالمية الأولى.

المخابرات قدرت تقنع الموساد بإرسال أخطر ضباطهم: موشيه جود سوارد.

دخل مصر بجواز سفر مزور، لكن المخابرات كانت له بالمرصاد.

اتقبض عليه، واتساب يتواصل بشكل طبيعي، لحد ما تم كشف كل الشبكة.

وبعد حملة مداهمات، قُبض على الجميع.

وبعتت المخابرات للموساد رسالة شكر ساخرة!

الصدمة كانت مزلزلة.

أما "فؤاد"، فطلب مكافأته: عشاء خاص مع الرئيس جمال عبد الناصر.

وكما قلنا... اسمه مش "فؤاد".

اسمه الحقيقي: سمير.

ودلوقتي... أكيد عرفته.

هو **سمير فؤاد**، الشاب اللي كمل في الفن والغناء، ونعرفه جميعًا باسم...

سمير الإسكندراني

رحمه الله.