في قضية تعيد إلى الواجهة ملفات فساد كبرى طالت مسؤولين نافذين في نظام مبارك، قررت محكمة استئناف طنطا في يونيو الماضي إعادة فتح قضية ورثة كمال الشاذلي، وزير شؤون مجلس الشعب الأسبق، بتهم الكسب غير المشروع وتضخم الثروة، بعد 7 سنوات من إغلاقها. 

 

كان الشاذلي وأسرته قد تصالحوا مع الدولة في 2017 برد 32 مليون جنيه، لكن هيئة قضايا الدولة طعنت على التصالح، مؤكدة وجود ممتلكات لم تُدرج ضمن التسوية وسُجلت بأسماء أخرى لتضليل الجهات الرقابية. ومن المقرر أن تبدأ أولى جلسات المحاكمة الجديدة في 13 يوليو.

 

تأتي هذه الخطوة وسط موجة إعادة فتح ملفات فساد أثارتها ثورة 25 يناير 2011، التي كشفت استغلالًا واسعًا للنفوذ ونهبًا للمال العام من قبل كبار المسؤولين ورجال الأعمال المقربين من نظام مبارك، جهاز الكسب غير المشروع طالب حينها باستراد حوالي 20 مليار جنيه من كبار المسؤولين، منهم حسين سالم بـ 5.8 مليار، ومنير ثابت بـ 5 مليارات، فيما طالبت الدولة 2 مليار جنيه من رشيد محمد رشيد وآخرين.

تاريخ القضية يعود إلى فترة ما بعد الثورة، حيث تلقى جهاز الكسب غير المشروع بلاغات بتضخم ثروة الشاذلي وأسرته بشكل غير مبرر، شملت زوجته وأبنائه محمد ومعتز ومنى.

وفي أبريل 2011، منع الجهاز الورثة من التصرف في أموالهم والسفر، إثر تقارير عن أرصدتهم الضخمة وممتلكاتهم داخل وخارج مصر. أظهرت التحقيقات أن الشاذلي استغل مناصبه في البرلمان والحكومة للحصول على أراضٍ وممتلكات بالمخالفة للقانون تقدر قيمتها بـ 32 مليون جنيه.

في مايو 2017، تم التوصل إلى تسوية تضمنت رد المبلغ والتنازل عن قطعتي أرض، إحداهما في محمية طبيعية والأخرى تطل على نهر النيل، ووافق النائب العام على التصالح، وأُغلق الملف مؤقتًا، إلا أن قرار استئناف طنطا أعاد فتح القضية بناءً على طعن هيئة قضايا الدولة.

ورثة الشاذلي ليسوا الوحيدين الذين خضعوا لتسويات، إذ كان ضمن 13 من كبار رجال نظام مبارك الذين تصالحوا مع الدولة، وردوا أكثر من 20 مليار جنيه، في إطار محاولات تسوية قضايا فساد ضخمة مقابل تقليل الملاحقات القضائية والسجن.

ومن بين هؤلاء، صفوت الشريف الذي رد 600 مليون جنيه، ومبارك ونجليه الذين دفعوا 146 مليونًا، ورشيد محمد رشيد الذي سدد ملياري جنيه، ومحمود الجمال الذي دفع 238 مليونًا، وعشرات آخرين.

وبالرغم من هذه التسويات، كشفت التحقيقات لاحقًا أن بعض المتهمين أخفوا ممتلكات وأموالاً لتقليل قيمة التسويات، وهو ما دفع القضاء لإعادة فتح عدة ملفات، ويُعد ملف كمال الشاذلي مؤشراً على احتمال إعادة تقييم ملفات فساد أخرى في ظل حرص الدولة على استرداد حقوقها كاملة.

وتعد قضية ورثة الشاذلي من أكبر قضايا الكسب غير المشروع التي أعيدت للنظر، خاصةً بعد اكتشاف أن بعض ممتلكاتهم سُجلت باسم إيهاب ناصف، متهم آخر في الملف، ما يعد تضليلاً للجهات الرقابية.

وتشهد مصر منذ الثورة سلسلة من التحقيقات والإجراءات ضد رموز النظام السابق، حيث تنوعت النتائج بين أحكام بالسجن ورد الأموال، وتسويات مالية.

ففي قضية القصور الرئاسية الشهيرة، أُدين مبارك ونجلاه بتحويل أموال صيانة القصور إلى ممتلكاتهم الخاصة، وسددوا 146 مليون جنيه، مع صدور حكم بالحبس 3 سنوات، قضوها خلال فترة الحبس الاحتياطي.

رجل الأعمال الهارب حسين سالم تنازل عن أصول بقيمة 5.8 مليار جنيه، أي نحو 75% من ثروته المحلية، ضمن أكبر صفقات استرداد أموال الدولة بعد الثورة.

كذلك تصالح منير ثابت، شقيق سوزان مبارك، مع الدولة على دفع 5 مليارات جنيه بسبب صفقاته المشبوهة التي أضرت بالخزانة العامة.

في قضايا أخرى، سدد رشيد محمد رشيد ما يقرب من 2 مليار جنيه في قضايا فساد تتعلق بتراخيص صناعية مخالفة، بينما دفع سليمان عامر ملياري جنيه بعد اتهامه بالاستيلاء على أراضٍ بأسعار زهيدة.

ورجل الأعمال عمرو النشرتي دفع مليار جنيه للتصالح في قضية قروض مصرفية بلا ضمانات.

وبالرغم من أن القضية تعلقت بمليار جنيه تقريبًا، فإن عمرو النشرتي لم يدفع سوى 342 مليون جنيه لتجاوز الأزمة، أي حوالي 45% من المبلغ المستحق، وبموجب القانون، أدى ذلك إلى انقضاء الدعوى، وإنهاء الملاحقات الجنائية ضدّه في عام 2021.

وكانت قد كشفت التحقيقات الخاصة بصفوت الشريف عن كسب غير مشروع قيمته جوالي 600 مليون جنيه عبر استغلال نفوذه في عدة مناصب إعلامية وسياسية لكنه حاول التصالح بالتنازل عن أراضٍ بقيمة 44 مليون جنيه، لكن رفضت المحكمة طلبه في البداية ووافقت بعد ذلك ليتم الحكم عليه بالسجن 3 سنوات، وغرامة قدرها 99 مليون جنيه سداد نقدي لتسوية جزئية بقيمة 36 مليون جنيه والتنازل عن الأراضي التي بقيمة 44 مليون جنيه.

 

محمود الجمال، صهر مبارك، سدد 238 مليون جنيه مقابل غلق قضايا فساد استيلاء على أراضٍ مملوكة للدولة.

بينما أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق، تم إغلاق قضيته بعد تصالحه بسداد 48 مليون جنيه، وهو ما أدى لاحقاً إلى براءته.

 

فتحى سرور رئيس مجلس الشعب الأسبق دفع 15 ملايين جنيه وتنازل عن أراضٍ بعد اتهامات بالاستيلاء وتحقيق ثروة غير مبررة، وهي نصف المبالغ المطلوبة منه والتي تُقدر ب 30 مليون جنيه، ليغلق جهاز الكسب غير المشروع ملفه قبل إحالة القضية للمحاكمة.

وفي قضية "الحزام الأخضر"، تصالح وزير الإسكان الأسبق محمد إبراهيم سليمان على دفع 28 مليون جنيه بعد اتهامه بالإضرار بالمال العام من خلال بيع أراضٍ بأسعار زهيدة.

 

هذه القضايا مجتمعة تكشف عن حجم هائل من الفساد الذي استشرى في نظام مبارك، وأظهرت التسويات التي تمت بعد الثورة أن جزءًا كبيرًا من الأموال المنهوبة عاد إلى الدولة، لكن هناك علامات استفهام حول استكمال بعض التسويات، كما هو الحال في قضية ورثة الشاذلي، التي قد تفتح الباب أمام إعادة فتح ملفات أخرى من ملفات الكسب غير المشروع، التي كان يُعتقد أنها أغلقت نهائيًا.

المحاكمات والصفقات المالية بين السجن ورد الأموال والتسويات المالية تظل مسرحًا رئيسيًا للصراع بين استرداد حقوق الدولة وتحقيق العدالة، وبين محاولات المتهمين التهرب والتقليل من أوزان الاتهامات.

وستظل متابعة تطورات قضية ورثة الشاذلي وغيرها حاسمة لفهم مدى جدية الدولة في ملاحقة ملفات الفساد الكبرى واسترداد الأموال المنهوبة.