أصبحت الرياضة في العقود الأخيرة جزءًا لا يتجزأ من الاقتصاد السياسي العالمي، حيث لم تعد البطولات والأندية مجرد ساحات للتنافس الرياضي، بل تحولت إلى أدوات نفوذ تستخدمها الدول لتعزيز مكانتها وصورتها على الساحة الدولية.

 

الاستثمار الخليجي في كرة القدم الأوروبية

أبرز مثال على ذلك هو الاستثمار الخليجي في كرة القدم الأوروبية، دخول صناديق سيادية من دول مثل قطر والإمارات والسعودية على خط شراء أندية كبرى مثل باريس سان جيرمان ومانشستر سيتي ونيوكاسل يونايتد لم يكن فقط بهدف العائد المالي، بل كان أيضًا جزءًا من استراتيجية قوة ناعمة، تهدف إلى تحسين صورة هذه الدول وتعزيز حضورها في الرأي العام الغربي. فحين يرتبط اسم نادٍ جماهيري ببلد معين، يتحول تلقائيًا إلى أداة ترويجية وسياسية غير مباشرة.

تحولت البطولات الكبرى إلى منصات لإظهار القوة الاقتصادية


من جهة أخرى، تحولت البطولات الكبرى إلى منصات لإظهار القوة الاقتصادية والتنظيمية للدول، الصين على سبيل المثال استغلت استضافتها للأولمبياد في 2008 و2022 لتأكيد أنها قوة عالمية صاعدة قادرة على منافسة الولايات المتحدة وأوروبا ليس فقط اقتصاديًا بل أيضًا ثقافيًا ورياضيًا، أما قطر فقد وظفت استضافة كأس العالم 2022 كحدث استراتيجي أثبت قدرتها على تنظيم بطولة كبرى رغم صغر حجمها الجغرافي.

لكن هذه الاستثمارات ليست خالية من الجدل. فمنتقدوها يرون أنها نوع من "الغسل الرياضي"، أي محاولة استخدام الرياضة لتلميع صورة دول تواجه انتقادات في ملفات حقوق الإنسان أو السياسة الخارجية، بينما يرد أنصارها بأن هذه المشروعات توفر وظائف، وتساهم في تطوير البنية التحتية الرياضية، وتفتح آفاقًا جديدة للتبادل الثقافي.

الاقتصاد الرياضي أيضًا بات ورقة ضغط على المستوى الدولي، فقرارات مثل استبعاد الأندية أو المنتخبات الروسية من البطولات عقب غزو أوكرانيا لم تكن مجرد عقوبات رياضية، بل جزء من استراتيجية سياسية واقتصادية أوسع لعزل موسكو، وهو ما يوضح كيف أن الرياضة أصبحت مرتبطة بشكل مباشر بالمعادلات الجيوسياسية.

الأمر لا يقتصر على الدول، بل يمتد إلى الشركات العملاقة التي تستثمر في رعاية الأندية والبطولات، شركات متعددة الجنسيات مثل "كوكاكولا" و"أديداس" و"فيسا" تدرك أن وجودها في الملاعب لا يعني فقط أرباحًا تجارية، بل حضورًا سياسيًا غير مباشر في وجدان الجماهير. وفي كثير من الأحيان، تضغط هذه الشركات على الاتحادات الرياضية لاتخاذ مواقف معينة حفاظًا على صورتها أمام المستهلكين.