- رئيس قطاع مكافحة الإرهاب: تسليح الجيش وتطوير الصناعة والزراعة حائط صد أمام الضغوط الخارجية

 

- مساعد وزير الخارجية الأسبق: مصر تواجه الأزمات الإقليمية بسياسة واقعية وتوازن دولي فريد

 

تشهد المنطقة العربية تطورات إقليمية متلاحقة من السودان وليبيا إلى غزة والبحر الأحمر وشرق المتوسط، ما يفرض ضغوطًا متزايدة على الأمن القومي المصري ويضع السياسة الخارجية أمام اختبارات معقدة تتعلق بكيفية إدارة هذه الأزمات المتشابكة والحفاظ على مصالح الدولة.

 

وأكد اللواء أركان حرب شبل عبد الجواد، رئيس قطاع مكافحة الإرهاب بالمنطقة العربية وقائد الشرطة العسكرية الأسبق والخبير العسكري، أن الأزمات الإقليمية المحيطة بمصر تشكل ضغوطًا مباشرة على الأمن القومي والسياسة الخارجية والاقتصاد.

 

وأوضح أن الدولة المصرية تمكنت من مواجهة هذه التحديات بفضل إجراءات استباقية في مقدمتها تسليح الجيش والشرطة وتنويع مصادر السلاح وتعزيز الأمن السيبراني.

 

وقال عبد الجواد في تصريحات خاصة لـ"خمسة سياسة"، إن "مصر محاطة بصراعات من جميع الاتجاهات، بدءًا من الجنوب حيث يشهد السودان حالة انقسام بين حكومة البرهان وقوات حميدتي المدعومة من بعض القوى الخارجية، وصولًا إلى الغرب حيث تنقسم ليبيا بين الشرق بقيادة المشير خليفة حفتر والغرب بقيادة عبد الحميد الدبيبة، فضلًا عن الأوضاع في غزة والبحر الأحمر وسوريا".

 

وأضاف أن الوضع في السودان يُنذر بالتقسيم، مشيرًا إلى أن الصراع هناك لا يقتصر على البرهان وحميدتي، بل يرتبط بتدخلات دولية تسعى للسيطرة على ثروات السودان الطبيعية كالذهب في دارفور. وأوضح أن هذا الوضع يفرض أعباءً إضافية على القوات المسلحة المصرية لتأمين الحدود الجنوبية في ظل غياب القوات السودانية عن ضبط الحدود.

 

وفيما يتعلق بليبيا، لفت عبد الجواد إلى أن الانقسام بين الشرق والغرب يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري، نظرًا لطول الحدود المشتركة واحتمالات تسلل الجماعات الإرهابية، مؤكدًا أن القوات المسلحة المصرية قادرة على التصدي لأي محاولات اختراق.

 

وعن الوضع في غزة، شدد عبد الجواد على أن الضغوط الدولية والإخوانية لفتح معبر رفح تمثل تحديًا أمنيًا واقتصاديًا، رغم أن مصر تحملت العبء الأكبر في دعم القضية الفلسطينية لعقود. كما حذر من تداعيات الصراع في البحر الأحمر مع الحوثيين على حركة الملاحة في قناة السويس، موضحًا أن لجوء بعض السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح يؤثر مباشرة على الاقتصاد المصري.

 

وأشار إلى أن الصراعات في سوريا وشرق المتوسط حول الغاز والنفط تعمّق بدورها حجم التحديات التي تواجه الدولة المصرية، مضيفًا أن هناك دولًا إقليمية تدعم هذه الصراعات من "تحت الترابيزة" مثل الإمارات التي تدعم حميدتي، وقطر وتركيا اللتين تساندان الإخوان المسلمين.

 

وأكد عبد الجواد أن الدولة المصرية اتخذت خطوات حاسمة لمواجهة هذه التهديدات، أبرزها تنويع مصادر تسليح الجيش، وتطوير الصناعات الحربية، وبناء منظومة أمن سيبراني قوية، مما جعل مصر قادرة على الصمود أمام الضغوط الخارجية.

 

وشدد على أن المرحلة المقبلة تتطلب من مصر التركيز على التوسع في الصناعة والزراعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل التأثر بالصراعات الإقليمية، لافتًا إلى أن الدولة بدأت بالفعل في هذا الاتجاه من خلال زيادة الرقعة الزراعية وتحقيق نتائج ملموسة في إنتاج القمح، بجانب إعادة تشغيل مصانع كبرى مثل مصنع الحديد والصلب بحلوان، وتطوير قطاع الغزل والنسيج، وإنشاء مدن صناعية متخصصة مثل مدينة الروبيكي للجلود.

 

وأوضح أن الاهتمام بالصناعات الصغيرة واليدوية يمثل ركيزة مهمة لزيادة فرص العمل وتوفير العملة الصعبة، مشددًا على أن هذا التوجه هو السبيل لتقوية الاقتصاد المصري في مواجهة التحديات الخارجية.

 

واختتم عبد الجواد تصريحاته بالتأكيد على أن الدولة القوية الراسخة لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها، مضيفًا: "مصر واقفة على أرض صلبة بفضل قوة جيشها وصمود اقتصادها ووعي شعبها، ولن تنجح أي محاولات للنيل منها".

 

ومن جانبه، أكد السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن الأزمات الإقليمية المحيطة بمصر تستنزف جزءًا كبيرًا من مجهود الدولة وأجهزتها، مشيرًا إلى أن هذه التطورات تضغط بشكل مباشر على السياسة الخارجية المصرية وتؤثر على جهود التنمية الداخلية.

 

وأوضح بيومي في تصريحات خاصة لـ"خمسة سياسة"، أن السودان كان في الماضي جزءًا من المملكة المصرية، لكن انفصاله جاء نتيجة الولاءات القبلية التي تسيطر على إفريقيا، مشددًا على أن انقسام السودان إلى دولتين ثم دخولهما في حروب أهلية داخلية يمثل تحديًا خطيرًا، خاصة وأنه دولة وادي نيل.

 

وأضاف أن ليبيا بدورها تعاني من انقسام حاد بين أطراف تتصارع على النفط والأموال، بينما تشهد سوريا وجود خمس جيوش أجنبية على أراضيها، ويعاني لبنان من هيمنة "حزب الله" الذي صنع دولة داخل الدولة، فيما تفتعل حركة حماس صراعات عسكرية في فلسطين رغم وجود مفاوضات، وهو ما يزيد من اشتعال المنطقة ويستنزف قدرات مصر التنموية وجهد وزارة الخارجية بل والرئيس نفسه.

 

وأشار مساعد وزير الخارجية الأسبق إلى أن مصر ما زالت أفضل حالًا من غيرها، لافتًا إلى أن اقتصاديات معظم دول العالم تنمو بالسالب بينما تحافظ مصر على معدل نمو إيجابي، رغم الضغط السكاني الكبير الناتج عن زيادة 27 مليون نسمة خلال سنوات قليلة. وأضاف أن هذا يمثل عبئًا على الدولة، بجانب الحاجة لجذب الاستثمارات الخارجية لتغطية المشروعات القومية، مؤكدًا أن على الرأي العام أن يدرك أن الاستثمارات الأجنبية ضرورية ولا تمثل تفريطًا في الأراضي المصرية.

 

وحول الملفات الإقليمية الأكثر خطورة، قال بيومي إن القضية الفلسطينية تظل الأخطر بسبب أطماع إسرائيل في سيناء، مؤكدًا ضرورة تعمير سيناء وزيادة الكثافة السكانية بها لقطع الطريق أمام هذه الأطماع. واعتبر أن السودان أيضًا ملف ملح، خاصة مع وجود نحو خمسة ملايين سوداني في مصر حاليًا.

 

وأكد أن التحرك الدبلوماسي المصري في هذه الملفات يسير في المسار الصحيح بنسبة "1000%"، مشددًا على أن مصر تنتهج سياسة واقعية منذ السادات الذي أدرك مبكرًا أن الحرب المباشرة مع إسرائيل تعني مواجهة الولايات المتحدة. وأضاف أن "آخر ما يجب التفكير فيه هو الحرب، لأنها ستجر مصر إلى مواجهة مع أمريكا بكل قوتها".

 

وبخصوص سد النهضة، قال بيومي: "لست في حاجة لأن أتحرك دبلوماسيًا أو عسكريًا في هذا الملف، لأن الطبيعة نفسها تقف إلى جانب مصر. السد مقام لتوليد الكهرباء، ولن يستطيع الإثيوبيون استخدامه للري لغياب البنية التحتية اللازمة، كما أن موقعه في شمال إثيوبيا يجعل من المستحيل إعادة المياه للجنوب. وإن حدث – لا قدر الله – أن نقص متر مكعب واحد من المياه في مصر، سيكون لكل حادث حديث".

 

وأشار إلى أن مصر نجحت في الحفاظ على توازن علاقاتها الدولية رغم كل الأزمات، مؤكدًا أن القاهرة تعد العاصمة الأكثر استضافة للسفارات الأجنبية، وأن كثيرًا من الدول ندمت على مخالفة سياستها الخارجية واضطرت لاحقًا للعودة إلى التعاون معها.

 

وختم مساعد وزير الخارجية الأسبق تصريحاته بالتأكيد على أن مصر من بين الدول القليلة في المنطقة التي "ما زالت واقفة على قدميها"، مضيفًا: "مصر والسعودية والإمارات من الدول التي حافظت على تماسكها، ومصر تحديدًا هي أنجح دولة عربية في إدارة ملفاتها الخارجية".