في روسيا الحديثة، لا يمكن فصل الرياضة عن السياسة، فكلاهما متشابك بشكل عميق تحت قيادة الرئيس فلاديمير بوتين، منذ وصوله إلى السلطة، أصبحت الرياضة أداة قوية في يد الكرملين لتعزيز النفوذ الدولي، وبناء صورة إيجابية للدولة، وتوحيد الشعب، لم يكن بوتين مجرد مشجع، بل كان مهندسًا لاستراتيجية رياضية شاملة؛ لكن هذه الاستراتيجية أدت في النهاية إلى عزلة روسيا الرياضية بعد غزو أوكرانيا.
في بداية حكمه، استثمر بوتين بشكل كبير في استضافة الأحداث الرياضية الكبرى، كانت الأهداف واضحة: إظهار روسيا كدولة حديثة وقادرة، وكسب الاحترام على الساحة العالمية، كان إنجازًا كبيرًا استضافة أولمبياد سوتشي الشتوي عام 2014، التي كلفت مليارات الدولارات وحملت رسالة قوية عن قدرة روسيا على تنظيم أحداث عالمية ضخمة، تبعتها استضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2018، وهو الحدث الذي حقق نجاحًا تنظيمًا كبيرًا وأظهر روسيا للعالم في أبهى صورها، هذه الأحداث لم تكن مجرد تظاهرات رياضية، بل كانت جزءًا من "القوة الناعمة" الروسية التي كان بوتين يسعى لتصديرها.
ومع ذلك، لم تكن هذه النجاحات خالية من العيوب، فقد كشفت الفضائح المتعلقة بالمنشطات عن الجانب المظلم من الاستراتيجية الروسية، تم اتهام الدولة بتشغيل برنامج منشطات ممنهج ومُدار من قبل الحكومة، بهدف ضمان حصول الرياضيين الروس على الميداليات، أسفرت هذه الفضيحة عن فرض عقوبات صارمة على الرياضة الروسية، بما في ذلك حظر مشاركة الرياضيين الروس تحت علم بلادهم في الألعاب الأولمبية والبطولات العالمية، وهو ما أضر بسمعة البلاد بشكل كبير.
تحولت العلاقة بين بوتين والرياضة من أداة للقوة الناعمة إلى رمز للعزلة الدولية بعد غزو أوكرانيا في فبراير 2022، كانت ردة فعل المجتمع الرياضي الدولي سريعة وحاسمة: تم فرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا، أوقفت الفيفا واليويفا مشاركة الأندية والمنتخبات الروسية في جميع المسابقات الدولية، كما تم سحب استضافة نهائي دوري أبطال أوروبا 2022 من مدينة سان بطرسبرغ، وبشكل عام، تم حظر مشاركة الرياضيين الروس في معظم البطولات العالمية، بما في ذلك ألعاب القوى والسباحة وغيرها.
هذه العقوبات لم تكن مجرد إجراءات رمزية، بل كانت ضربة قوية للرياضة الروسية، فقد حرمت الأجيال الشابة من الرياضيين من فرصة المنافسة على أعلى المستويات، وأثرت على عقود الرعاية، وقطعت الصلة بين الرياضة الروسية والعالم الخارجي.
يمكن القول إن تأثير بوتين على الرياضة في روسيا يمثل قصة ذات وجهين، فمن جهة، استثمرت الدولة تحت قيادته مليارات الدولارات لتحقيق إنجازات ضخمة، واستضافة أحداث عالمية، وبناء بنية تحتية رياضية حديثة؛ لكن من جهة أخرى، فإن هذا الاستثمار كان مرتبطًا بشكل وثيق بأهداف سياسية، وهو ما جعل الرياضة الروسية عرضة للعقوبات الدولية بمجرد تغير الظروف الجيوسياسية، لقد تحولت الرياضة من أداة للوحدة والتقارب إلى ساحة جديدة للصراعات، مما أدى في النهاية إلى عزلة غير مسبوقة للرياضيين الروس.