تتجاوز علاقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برياضة الجودو مجرد الهواية أو التمارين الرياضية؛ إنها فلسفة عميقة شكّلت صورته السياسية وطريقة تعامله مع الخصوم على الساحة الدولية، فمنذ أن كان شابًا في شوارع لينينغراد، أصبحت فنون القتال، وتحديداً الجودو والسامبو، هي المدرسة التي صنعت شخصية "الرجل القوي" في الكرملين.
بدأ بوتين ممارسة الجودو في سن الحادية عشرة تقريبًا، وهو يحمل الآن حزامًا أسود رفيع الدرجة (دان) في الرياضة، وقد فاز ببطولة لينينغراد في شبابه، يصف بوتين بنفسه كيف أن هذه الرياضة علمته دروسًا حاسمة يطبقها في السياسة: "الجودو ليست مجرد رياضة، إنها تعزز قوة الإرادة لدى ممارسها، وتعلمه احترام الآخرين، وتمنحه القدرة على تحمل الضربات والخروج من المواقف الصعبة بكرامة".
هذه الصفات ليست مجرد شعارات؛ لقد أصبحت جزءًا لا يتجزأ من صورة بوتين العامة، ففي الوقت الذي كان فيه سلفه، بوريس يلتسين، يُصوَّر على أنه شخصية ضعيفة ومنهكة، جاء بوتين ليجسد النقيض التام، القيادة الحازمة والذكورية والقوية، المدعومة بلياقة بدنية لا تزال ظاهرة في السبعينيات من عمره.
يكمن الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في استخدام بوتين للجودو كاستعارة سياسية، أحد أهم مبادئ الجودو هو "الاستفادة القصوى من القوة الأقل واستخدام قوة الخصم ضد نفسه.. ويرى العديد من المحللين السياسيين أن بوتين يطبق هذه التكتيكات ببراعة في سياسته الخارجية والداخلية:
موازنة القوى فـ عوضًا عن الصدام المباشر الذي قد يؤدي إلى استنزاف القوى، يفضل بوتين انتظار اللحظة المناسبة لاستغلال نقاط ضعف الخصم أو أخطائه، ليستخدم قوته وعزمه لصالحه.
يحرص بوتين على نشر صور وفيديوهات له وهو يمارس الجودو، ويطرح خصومه أرضًا بسهولة في صالات التدريب، وغالبًا ما يتدرب مع أبطال روسيا في الرياضة، هذه المشاهد، سواء كانت حقيقية أو مصممة بعناية لتعزيز صورة "الماشو" تخدم هدفًا مزدوجًا داخليًا، تعزز شرعيته كقائد قوي قادر على الدفاع عن الأمة؛ وخارجيًا، ترسل رسالة إلى خصومه مفادها أنه "سياسي لا يُستهان به".
وصل الارتباط بين بوتين والجودو إلى مستويات دبلوماسية ورمزية عالية؛ فقد كان الرئيس الفخري للاتحاد الدولي للجودو (IJF) حتى عام 2022، وفي لحظة تاريخية، تم تعليق هذا اللقب في أعقاب الصراع في أوكرانيا، في خطوة رمزية أظهرت أن الرياضة العالمية يمكن أن تتنصل من الرمز السياسي عندما تتصادم قيمهما.
ومع ذلك، تظل دروس الجودو محفورة في النهج القيادي لبوتين، فرياضة الجودو بالنسبة له هي أكثر من مجرد إلقاء على الحصيرة؛ إنها طريقة حياة وفهم للحركة المضادة، والصبر، والسيطرة على الذات في أوقات التوتر، وبهذا، يستمر الحزام الأسود في أن يكون ليس مجرد شارة رياضية، بل رمزًا للقوة السياسية التي يروج لها الكرملين على مدى عقدين من الزمن.