على شبه جزيرة أيبيريا، يتشارك بلدان حدودًا جغرافية وتاريخًا طويلًا من التنافس والصراع على السيادة والموارد، هما إسبانيا والبرتغال.
وبينما تحوّلت العلاقات السياسية الحديثة بينهما إلى تعاون ضمن الاتحاد الأوروبي، يجد هذا التنافس التاريخي متنفسًا حارًا وعنيفًا على أرض الملعب، وتحديدًا في كرة القدم، حيث يمثل "الديربي الأيبيري" أكثر من مجرد مباراة رياضية؛ إنه إعادة إحياء للصراع السياسي والعرقي والثقافي في قالب ترفيهي مشحون.
يعود التوتر بين المملكتين إلى القرون الوسطى، حين ناضلت البرتغال للحفاظ على استقلالها وهويتها القومية في مواجهة محاولات الاندماج أو الغزو الإسبانية، أبرز مثال على ذلك هو فترة الاتحاد الأيبيري (1580-1640) التي خضعت فيها البرتغال للحكم الإسباني، وهو ما رسّخ في الذاكرة البرتغالية هاجس "الجار الكبير" الذي يسعى لابتلاعها، هذا الشعور بالاختلاف والاستقلال الجذري، الذي يُشكّل جزءًا من الهوية البرتغالية، يجد ترجمة فورية على مستطيل كرة القدم الأخضر.. فـ بالنسبة للبرتغاليين، كل فوز على "لاروخا" -المنتخب الإسباني- ليس مجرد ثلاث نقاط أو لقب، بل هو تأكيد لسيادتهم وقوتهم وهويتهم التي حافظوا عليها على مر القرون.
في العصر الحديث، أصبح هذا الصراع الرياضي مرادفًا لمواجهة عمالقة النجوم، وفي طليعتهم الأسطورة البرتغالية كريستيانو رونالدو الذي لمع نجمه لسنوات طويلة في النادي الملكي الإسباني ريال مدريد، يمثل رمزًا للإرادة البرتغالية التي لا تُقهر في مواجهة التفوق الإسباني التاريخي في اللعبة.
المباريات بين المنتخبين، سواء في كأس العالم أو بطولة أمم أوروبا أو دوري الأمم الأوروبية، لا تخلو أبدًا من قصص درامية مثيرة تعكس هذا التنافس، أحيانًا تكون معركة بين مدرستين كرويتين، الاستحواذ والتمرير الإسباني مقابل الهجوم السريع والمهارات الفردية البرتغالية، وحينما تتفوق البرتغال، كما حدث في بعض اللقاءات الحاسمة، فإن العنوان يكون أكبر من مجرد فوز رياضي؛ إنه "انتقام تاريخي" صغير للجار الأصغر الذي يثبت وجوده.
على الرغم من التقارب السياسي والاقتصادي الحديث، يبقى "الديربي الأيبيري" دليلًا على أن الرياضة هي أحد أكثر المجالات التي تُصقل فيها الهويات القومية وتُعاد فيها إنتاج الروايات التاريخية المتضاربة، إنها السياسة الناعمة التي تسمح للجماهير بتفريغ شحنات التوتر الكامنة دون اللجوء إلى السلاح، وفي كل مرة يلتقي فيها المنتخبان، تتحول الملاعب إلى مسارح يمتزج فيها الحماس الكروي بعبق التاريخ، مُذكرةً الجميع بأن صراع الأيبيريين، حتى لو كان وديًا في جوهره السياسي، يظل مشتعلاً ومحفوظاً في ذاكرة الشعوب، إنها مواجهةٌ لا تنتهي، ما دامت البرتغال تجاور إسبانيا على خريطة واحدة.