قمة الأهلي والزمالك، المعروفة عالميًا باسم "ديربي القاهرة"، ليست مجرد مباراة كرة قدم؛ إنها حدث اجتماعي وسياسي وتاريخي عميق الجذور في النسيج المصري، يتجاوز التنافس بين القطبين المستطيل الأخضر ليصبح انعكاسًا لصراعات الهوية، والسلطة، والانتماء الاجتماعي التي مرت بها مصر على مدار أكثر من قرن، هذا التنافس هو خير مثال على أن الرياضة يمكن أن تكون ساحة معركة رمزية للحياة السياسية.

يعود جزء من طبيعة التنافس إلى فترة تأسيس الناديين في أوائل القرن العشرين، حيث كانت الخلفية الاجتماعية والسياسية لكل منهما مختلفة الأهلي تأسس 1907 ارتبط تاريخيًا بفكرة النادي الوطني الذي أسسه مصريون بهدف مقاومة الاحتلال البريطاني وتجميع الشباب المصري تحت راية واحدة.. اكتسب النادي رمزية "الاحتجاج والمقاومة" الشعبية، مما منحه شعبية جارفة منذ البداية.

​الزمالك تأسس 1911 باسم نادي قصر النيل ارتبط في بداياته بالنخبة الأجنبية والطبقة الأرستقراطية المصرية قبل أن يتحول تدريجيًا إلى نادي الشعب ويتم "تمصيره" بعد ثورة يوليو 1952.. هذا التحول التاريخي جعله يمثل تحديًا دائمًا لسلطة "النادي الوطني" المتمثلة في الأهلي.

​رغم أن التمايزات الطبقية تلاشت إلى حد كبير مع مرور الزمن وأصبح لكل فريق قواعد جماهيرية واسعة من مختلف الطبقات، فإن الرواية التاريخية المتعلقة بالهوية الوطنية ظلت جزءًا من الخطاب المتبادل بين الجماهير.

​لعبت السلطة التنفيذية في مصر دورًا لا يمكن تجاهله في المنافسة، سواء بالدعم المباشر أو من خلال إدارة المشهد الرياضي برمته، نادرًا ما خلت فترة حكم لرئيس مصري من إشارات أو تدخلات مباشرة أو غير مباشرة في الشؤون الكروية.

​خلال فترات تاريخية مختلفة، شاع الاعتقاد -خاصة بين جماهير الزمالك- بوجود "مجاملة" أو تفضيل من المؤسسات الرياضية للأهلي، مما عزز الشعور بـ"المؤامرة" أو غياب "تكافؤ الفرص".. هذه الشكوك ليست مجرد مشاعر عابرة، بل تتجسد في الأزمات المتكررة المتعلقة بـتنظيم المسابقات، وجداول المباريات، والتحكيم.

في كثير من الأحيان، يصبح وزير الشباب والرياضة أو رابطة الأندية طرفًا رئيسيًا في محاولة حل هذه الأزمات، مما يظهر مدى تشابك القرارات الرياضية بالقرار السياسي.

المنافسة بين الأهلي والزمالك تتجاوز المنافسة على الألقاب والبطولات. إنها مساحة معقدة تعكس الماضي الوطني لمصر، وألاعيب السلطة، والانقسامات الاجتماعية، مما يجعل ديربي القاهرة صراعًا لا ينتهي، حيث تظل الكرة وسيلة للتعبير عن قضايا أعمق بكثير من مجرد هدف أو نتيجة مباراة.