يُسلّط اليوم العالمي للدبلوماسية النسوية الضوء على أهمية دمج مبادئ المساواة بين الجنسين في السياسة الخارجية، في وقتٍ لا تزال فيه الفجوة الجندرية قائمة بقوة داخل السلك الدبلوماسي حول العالم، فبرغمالمبادرات الدولية المتزايدة لإرساء دبلوماسية شاملة تُراعي احتياجات النساء وتُشركهن في صناعة القرار، لا تزال النساء يشكّلن أقل من ربع الممثلين الدبلوماسيين عالميًا، مع تفاوتات ملحوظة بين الدول والمناطق.وتحمل سياسات "الدبلوماسية النسوية" رؤية استراتيجية تتجاوز كونها مطالب حقوقية، حيث تربط بوضوح بين التمثيل العادل للنساء وتعزيز فرص السلام والتنمية والاستقرار، ومع إطلاق دول مثل السويد وكندا والاتحاد الأوروبي لهذه السياسات، اتسع نطاق الحوار حول تمكين المرأة في السياسة الخارجية..
لكن وعلى الرغم من هذا التقدم تُظهر البيانات أن التحديات البنيوية والمجتمعية لا تزال تعرقل الوصول إلى تمثيل متوازن خاصةً في العديد من دول الجنوب العالمي ومن بينها دول عربية.
الدبلوماسية النسوية: سياسات من أجل التغيير
وخلال العقد الماضي تبنت العديد من الدول سياسات "الدبلوماسية النسوية"، بهدف دمج مبادئ المساواة بين الجنسين في السياسة الخارجية، وكانت السويد أول من أطلق هذه السياسة عام 2014، تلتها كندا (2017)، كما أعلن الاتحاد الأوروبي أن تمكين المرأة هو هدف رئيسي في سياساته الخارجية والأمنية، وأطلق خطته الثالثة للمساواة بين الجنسين (GAP III)، التي تهدف إلى تعزيز مشاركة النساء في السياسة والاقتصاد والمجتمع عبر العالم، ولأول مرة، تم تعيين سفير خاص للمساواة والتنوع داخل جهاز العمل الخارجي الأوروبي.
المساواة في الدبلوماسية: أداة للسلام لا مجرد مطلب حقوقي
وتهدف حركات المساواة بين الجنسين في السياسة الخارجية لتعزيز السلام والاستقرار العالمي، باعتبار أن إشراك النساء في مواقع صنع القرار الدولي يُساهم في خلق سياسات أكثر شمولية وإنسانية واستدامة، ورغم التقدم النسبي، فإن الطريق لا يزال طويلًا نحو دبلوماسية تعكس فعليًا تنوع المجتمعات التي تمثلها.
تباين نسبة المراة في السلك الدبلوماسي على مستوى العالم
رغم الجهود الدولية المستمرة لتحقيق المساواة بين الجنسين، لا تزال النساء يشكلن فقط 21% من مجمل السفراء والممثلات الدائمات في السلك الدبلوماسي على مستوى العالم، وفيما نجحت بعض الدول في تحقيق تكافؤ مثل كندا التي وصل فيها التمثيل الدبلوماسي للنساء مقابل الرجال إلى 53%، فإن دولًا أخرى لا يوجد لديها أي سفيرات، مثل بيلاروسيا وفيجي وكوريا الشمالية وتوجو.
وفي مؤشر المرأة في الدبلوماسية على مستوى العالم، تأتي مصر في المستوى 42، بنسبة 14% للنساء في السلك الدبوماسي حيث تتساوى مع البرازيل وجامبيا وتنزانيا، وهو مستوى ليس متأخرا، حيث تسبق مصر دولا مثل روسيا واليابان والهند والصين.
ويتكون المؤشر من 59 مستوى، يشمل 147 دولة، وتعتبر مصر الدولة رقم 105 في المؤشر، وعلى المستوى العربي تتصدر الأردن ترتيب الدول العربية في المؤشر بـ19% ، يليها المغرب بـ 17%، ، ثم تونس بـ 15%، ومصر 14%، حيث تسبق الإمارات 11.5% واليمن 7%، والسعودية 4٪.
منتدى جيل المساواة: نموذج متعدد الأطراف للتمكين
أحد أبرز إنجازات الدبلوماسية النسوية متعددة الأطراف هو منتدى جيل المساواة، الذي نُظّم بمبادرة مشتركة من فرنسا والمكسيك وهيئة الأمم المتحدة للمرأة عام 2021، وقدم المنتدى ميثاقًا عالميًا للمرأة والسلام والعمل الإنساني، وأعلن التزامات مالية وتشريعية ملموسة من الدول المشاركة لتعزيز حقوق النساء والفتيات.
مصر: الطريق نحو تعزيز مشاركة المرأة في السلك الدبلوماسي
شهدت تعيينات الحركة الدبلوماسية المصرية خلال السنوات الثلاث الأخيرة تذبذبًا ملحوظًا في تمثيل السيدات، حيث سجّل عام 2023 حضورًا نسائيًا بارزًا بتعيين 16 سيدة في مناصب دبلوماسية.
إلا أن هذا العدد انخفض بشكل حاد في عام 2024 ليصل إلى 7 فقط، قبل أن يعاود الارتفاع جزئيًا في حركة عام 2025 بوصول عدد السيدات المعينات إلى 11.
ويعكس هذا التغير غير المنتظم تحديات مستمرة في تحقيق التوازن الجندري داخل السلك الدبلوماسي، رغم الخطابات الرسمية الداعية لتمكين المرأة.
وتُظهر الأرقام الخاصة بالتعيينات في الدبلوماسية المصرية، خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة استمرار هيمنة الرجال على غالبية التعيينات، ففي عام 2023 تم تعيين 66 رجلًا مقابل 16 سيدة، و61 رجلًا مقابل 7 سيدات في 2024، فيما شهد عام 2025 تعيين 11 سيدة في الحركة الدبلوماسية مقابل ٣٧ رجلا
رغم ذلك تكشف البيانات تحسنا طفيفا في نسبة التمثيل النسائي مقابل الرجال في التعيينات الدبلوماسية، خلال السنوات الثلاث الماضية، ففي عام 2023، بلغت نسبة السفيرات 19.5% مقابل 80.4% للسفراء الرجال، قبل أن تتراجع النسبة في 2024 إلى 10.2% فقط للسيدات، وهي الأدنى في تلك الفترة.
لكن عام 2025 ارتفعت نسبة السفيرات إلى 22.9%، في مقابل 77.1% من التعيينات التي ذهبت للرجال، مما يعكس تقدمًا ملحوظا في طريق تقليص الفجوة الجندرية داخل المناصب القيادية في الدبلوماسية المصرية.تعيينات حديثة تعزز الحضور النسائي في السلك الخارجي
وشهدت الحركة الدبلوماسية المصرية خلال عام 2025 دفعة جديدة من التعيينات النسائية التي تعكس استمرار الجهود الرسمية لتعزيز مشاركة المرأة في العمل الدبلوماسي، حيث تم تعيين السفيرة رانيا محمود محمد البنا ممثلة لمصر في كرواتيا، والسفيرة نهى أحمد ماهر حامد خضر سفيرة لمصر لدى الأوروجواي.
وفي عام 2024، تم تكليف داليا محمد عبد الفتاح بمنصب قنصل عام لمصر في هامبورج بألمانيا، في خطوة تعكس اهتمامًا بزيادة التمثيل النسائي في القنصليات العامة بأوروبا.
أما في حركة عام 2023، فقد برزت عدة أسماء نسائية في مناصب دبلوماسية دولية، من أبرزهن :
- ابتسام رخا – سفيرة مصر لدى كازاخستان
- عبير علم الدين – سفيرة مصر في موريشيوس
- مي خليل – سفيرة مصر في برازيليا
- ندى دراز – قنصل عام في شيكاغو، الولايات المتحدة
رائدات الدبلوماسية: من التأسيس إلى التأثير الدولي:
ويُعد تعيين عائشة راتب أول امرأة تتقلد منصب سفيرة في مصر عام 1979 لحظة فارقة في تاريخ تمكين النساء داخل وزارة الخارجية، حيث مثلت البلاد لدى الدنمارك ثم ألمانيا حتى عام 1984، لتفتح الباب أمام أجيال من الدبلوماسيات.
ومن الأسماء البارزة في المشهد الدبلوماسي أيضًا ميرفت التلاوي، التي شغلت منصب سفيرة مصر لدى اليابان (1993–1997) ثم واصلت مسيرتها الدولية بتولي منصب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والأمين التنفيذي للجنة "الإسكوا" التابعة للأمم المتحدة بين عامي 2001 و2007، لتصبح واحدة من أبرز الوجوه النسائية المصرية على الساحة الأممية..