قط بلدي اسمه "سايمون" Simon، كان عمره سنة واحدة عندما تسلل إلى الميناء وصعد على متن فرقاطة عسكرية تابعة للبحرية الملكية البريطانية تُدعى "HMS Amethyst".
وجده بحّار شاب يُدعى "جورج هيكينبوتوم" George Hickinbottom، وكان عمره آنذاك 17 عامًا.
أخذ جورج القط الذي كان هزيلًا جدًا وصحته سيئة، وأخفاه في الكابينة الخاصة به، وبدأ يقسّم طعامه معه ويعتني به حتى استعاد عافيته وزاد وزنه.
بدأ خبر وجود سايمون ينتشر على متن الفرقاطة، ووصل إلى القبطان الذي استشاط غضبًا، وطلب استدعاء جورج ومعه القط.
وكان ينوي تحويل جورج لمحاكمة عسكرية، وإلقاء القط في البحر.
لكن حين وصل جورج إلى قمرة القبطان الغاضب، قفز سايمون فجأة من يديه، وانقض على كومة أوراق في زاوية المكتب، وانتزع من وسطها فأرًا ضخمًا وقتله على الفور!
ومنذ تلك اللحظة، وقع القبطان في غرام سايمون، وسمح له بالبقاء على متن الفرقاطة.
تميمة السفينة وصائد الفئران
أصبح سايمون ودودًا جدًا، محبوبًا من جميع أفراد الطاقم. لم يترك فأرًا واحدًا على السفينة. الفئران التي كانت تؤرق نوم البحّارة وتزعجهم لعدة شهور، أصبحت نادرة للغاية.
كان البحّارة يقدمون من طعامهم لسايمون، ويلعبون معه، وفي المقابل، كان يصطاد الفئران ويتركها كـ"هدايا" أمام أسرّتهم أو مقاعدهم.
ومع الوقت، أصبح سايمون تميمة حظ الفرقاطة. حتى عندما تغير القبطان، وتولّى القيادة الضابط "برنارد سكينر" Lieutenant Commander Bernard Skinner، أحبّ سايمون من أول لحظة رآه فيها.
لحظة الهجوم والبطولة
كانت مهمة القبطان الجديد أن يتحرك بالفرقاطة إلى مدينة صينية تُدعى "نانجينج Nanjing" أثناء الحرب الأهلية الصينية، ليبدّل الخدمة مع مركب آخر.
بدأ التحرك بالفعل، ولكن أثناء عبور نهر يانغتسي Yangtze River، فتحت القوات الصينية مدفعيتها على السفينة.
كان سايمون في كابينة القبطان وقتها، وأُصيب القبطان إصابة قاتلة، بينما أصيب سايمون برصاصة من مدفع رشاش وشظايا كثيرة. وبينما توفي القبطان متأثرًا بجراحه، زحف سايمون وهو ينزف حتى وصل إلى صديقه القديم جورج.
أخذه جورج إلى القسم الطبي، وبدأوا في تنظيف جراحه، لكن الطبيب قال إن سايمون لن يعيش حتى صباح اليوم التالي.
لكن المعجزة وقعت: سايمون عاش.
معجزة النجاة وإحياء الأمل
كان سايمون راقدًا على جانبه، يلهث، وجسده ممزق من الرصاصة والشظايا. وكان جورج يطعمه بقطرات من اللبن أو الحساء عن طريق قماشة مبللة يعصرها في فمه.
في هذه الأثناء، كانت الفرقاطة محاصرة، وقد رست في النهر لا تستطيع التقدم ولا التراجع تحت نيران الصينيين. ومع أن الفرقاطة كانت مسلحة، إلا أن معنويات طاقمها انهارت خاصة بعد وفاة القبطان.
أثناء كل هذا، كان جورج يرعى سايمون الذي ظل حيًّا رغم كل شيء، رغم أن الطبيب كان يؤكد يوميًا أنه لن ينجو.
الفأر الأخير... والإشارة الإلهية
عادت الفئران للظهور على السفينة وسط رائحة الموت، وتكدست الجثث. بدأت مفاوضات متقطعة مع الصينيين، وفي المقابل تبادل لإطلاق النار.
اجتمع القائد الجديد مع البحّارة، الذين انقسموا بين من يريد الاستسلام، ومن يرفض. الموقف كان كارثيًا... وفجأة، دخل سايمون المكان بهدوء، وتأمّل الوجوه... ثم انقضّ على فأر ضخم أمامهم جميعًا وقتله.
في تلك اللحظة، شعر البحّارة وكأن سايمون إشارة من السماء، بأن الحياة ما زالت ممكنة، وأن "HMS Amethyst" لم تسقط.
ارتفعت المعنويات، وتجدد الأمل، وقرر الطاقم مواصلة القتال وعدم الاستسلام.
الإنقاذ والعودة للوطن
استمرت المعركة حتى فجر 31 يوليو 1949، عندما ظهرت في الأفق المدمّرة البريطانية "Concord"، التي أطلقت قذائفها على القوات الصينية، وتمكنت من إنقاذ الفرقاطة المحاصَرة ومرافقتها إلى الوطن.
سايمون... البطل الذي حصد الأوسمة
عند عودة السفينة، تحوّل سايمون إلى شخصية عامة، وحصل على العديد من الأوسمة والنياشين، من بينها:
صليب الملكة فيكتوريا Victoria Cross
تم تعيين ضابط خاص لخدمة سايمون واسمه "ستيورات هِت Stewart Hett"، وكان لقبه العسكري: "ضابط القط" Cat Officer.
النهاية الحزينة
عند العودة للوطن، دخل سايمون الحجر الصحي كأي حيوان آخر، لكن للأسف، أُصيب هناك بعدوى فيروسية.
ومع انهيار مناعته بسبب جراح المعركة، ساءت حالته، وفي 28 نوفمبر 1949، أغمض سايمون عينيه للمرة الأخيرة، ومات في هدوء داخل الحجر الصحي.
تكريم خالد
تم تنظيم جنازة عسكرية له، حضرها طاقم الفرقاطة "أميثست" بالكامل.
وفي سنة 1950، أهدى الكاتب الإيطالي "بول جاليكو Paul Gallico" روايته الشهيرة "Jennie" إلى القط سايمون... القط الذي لم يكن مجرد حيوان أليف، بل رمز أمل وصمود في وجه الحرب والموت.