تشهد مصر واحدة من أعلى نسب الولادة القيصرية في العالم، حيث تجاوزت المعدلات 72% من إجمالي الولادات خلال السنوات الأخيرة، في وقت لا تتجاوز فيه النسبة الموصى بها عالميًا 15%.

أثار هذا الارتفاع الحاد قلقًا طبيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، بعدما تحولت القيصرية من حل طبي استثنائي إلى خيار شائع تفرضه أحيانًا توصيات الأطباء أو ضغوط اجتماعية.

وفي مواجهة هذه الأزمة، أعلنت وزارة الصحة المصرية عن حزمة إجراءات تنظيمية جديدة تُلزم المستشفيات والعيادات الخاصة بالالتزام بمعايير دقيقة، تهدف إلى كبح هذه الظاهرة وتشجيع الولادة الطبيعية الآمنة ضمن المبادرة الرئاسية "الألف يوم الذهبية"، بما يعزز سلامة الأمهات والمواليد ويرفع من كفاءة الخدمات الطبية المقدمة في القطاع الخاص.

وأوضح الدكتور حسام عبد الغفار، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة، أن القرار يلزم المنشآت الطبية الخاصة بإرسال تقارير شهرية مفصلة تتضمن عدد الولادات ونسب العمليات القيصرية، مع تصنيفها وفق نظام "روبسون" العالمي، وتحليل أسباب اللجوء إليها بالاعتماد على بيانات "البارتوجرام"، إلى جانب رصد أبرز التحديات التي تواجه الفرق الطبية أثناء التنفيذ.

وأكد أن الوزارة تسعى من خلال هذه الخطوة إلى تعزيز المتابعة الدقيقة للتقارير الإحصائية، وضمان تطبيق أفضل الممارسات الطبية للحد من الزيادة الكبيرة في نسب القيصرية بمصر، والتي وصلت إلى نحو 72% خلال السنوات الأربع الماضية.

من جانبه، أشار الدكتور هشام زكي، رئيس الإدارة المركزية للمؤسسات العلاجية غير الحكومية والتراخيص، إلى أن وزارة الصحة ألزمت جميع أقسام النساء والتوليد في القطاع الخاص باستخدام أداة البارتوجرام العالمية لرصد مراحل المخاض بشكل دقيق، بما يتيح التدخل المبكر عند ظهور أي مخاطر تهدد الأم أو الجنين.

كما شدد على أن اعتماد تصنيف روبسون سيسهم في توثيق كل حالة ولادة وتحديد مدى الحاجة الطبية لإجراء القيصرية، مع تسجيل البيانات إلكترونيًا لزيادة الشفافية وتسهيل عمليات المراقبة والتقييم.

وتابعت الوزارة في بيانها أن مديريات الشؤون الصحية بالمحافظات ستتولى متابعة تطبيق هذه الإجراءات على أرض الواقع، وتقييم أداء المنشآت الطبية بشكل دوري لضمان الالتزام الكامل بالمعايير الجديدة.

كما دعت الوزارة جميع المستشفيات والعيادات الخاصة إلى التعاون الجاد في تطبيق الضوابط، باعتبارها خطوة أساسية لحماية صحة الأمهات والأطفال، وتعزيز جودة خدمات الرعاية الصحية.

وكشفت فاتورة الولادة القيصرية في مصر فجوة هائلة بين المستشفيات الحكومية والخاصة.

ففي عام 2025، تراوحت تكلفة العملية في المستشفيات الحكومية ما بين 3 إلى 10 آلاف جنيه حسب مستوى الخدمة، بينما قفزت في المستشفيات الخاصة إلى ما بين 10 و50 ألف جنيه، خاصةً في الخدمات المميزة أو الحالات المعقدة.

وتعكس هذه الأرقام ليس فقط العبء الاقتصادي على الأسر المصرية، بل أيضًا التباين الكبير في فرص الحصول على خدمة آمنة ومتكافئة بين الفئات الاجتماعية المختلفة.

كما كشفت بيانات منظمة الصحة العالمية فجوة واسعة بين مصر والعالم في معدلات الولادة القيصرية.

ففي الوقت الذي توصي فيه المنظمة بألا تتجاوز النسبة 10–15% من إجمالي الولادات، بلغ المتوسط العالمي حوالي 21% فقط في 2021.

لكن مصر تخطت كل الحدود، إذ قفزت المعدلات من نحو 27% عام 2008 إلى أكثر من 63% عام 2021، لتصبح من بين أعلى النسب على مستوى العالم.

ويثير هذا الارتفاع الحاد تساؤلات حول الأسباب الطبية والاجتماعية، وانعكاساته على صحة الأمهات والمواليد، إلى جانب أعبائه الاقتصادية.

وتجدر الإشارة إلى أنه خلال 13 عامًا فقط، تضاعفت معدلات الولادة القيصرية في مصر بشكل غير مسبوق.

فبينما لم تتجاوز النسبة 27% عام 2008، قفزت إلى أكثر من 63% بحلول 2021، وفقًا لمسح الصحة الأسرية.

ويعكس هذا الارتفاع الحاد تحولًا كبيرًا في مشهد الولادة، حيث تراجعت الولادات الطبيعية أمام انتشار القيصرية، سواء لأسباب طبية أو اجتماعية.

كما تضع الزيادة المتسارعة مصر بين أعلى دول العالم في نسب القيصرية، وهو ما يطرح تحديات أمام القطاع الصحي فيما يخص سلامة الأمهات والتكاليف الباهظة المرتبطة بالعملية.

هذا ويلعب الأطباء الدور الأكبر في ارتفاع معدلات الولادة القيصرية بمصر.

فبحسب بيانات مسح الصحة الأسرية 2021، نصف الأمهات تقريبًا (50%) لجأن للقيصرية بناءً على قرار الطبيب أو توصيته الطبية المباشرة، بينما جاء الخوف من ألم الولادة الطبيعية في المرتبة الثانية بنسبة 25%، تلتها الولادات القيصرية السابقة بـ15%.

أما الضغوط الأسرية والاجتماعية، والاعتقاد بأنها "أأمن"، فشكّلا معًا حوالي 10% فقط.

تكشف هذه الأرقام أن قرار الولادة القيصرية لا يرتبط فقط باختيار الأم، بل يتأثر بشكل كبير بمنظومة الرعاية الصحية والتوصيات الطبية التي توجه الأمهات نحو هذا المسار.

وتكشف بيانات مسح الصحة الأسرية 2021 أن الحضر يقود مشهد الولادة القيصرية في مصر.

فبينما بلغ المعدل العام حوالي 72% من إجمالي الولادات، ارتفعت النسبة في المدن إلى 75%، مقابل 69% فقط في الريف.

يعكس هذا الفارق تأثير نمط الحياة في الحضر، حيث يزداد الاعتماد على المستشفيات الخاصة، ويبرز دور الأطباء في توجيه الأمهات نحو القيصرية، مقارنةً بالريف الذي ما زالت الولادات الطبيعية فيه أكثر حضورًا نسبيًا.

تكشف هذه الأرقام أن التوسع في القيصرية ليس ظاهرة عامة فقط، بل يرتبط أيضًا بالبيئة الاجتماعية والاقتصادية داخل مصر.