في واقعة مأساوية هزّت وجدان المصريين، لفظ "ناصر محمد علي" أنفاسه الأخيرة داخل مستشفى أسيوط الجامعي، صباح الجمعة، بعد ثلاثة أيام فقط من فقدانه لأطفاله الستة، ضحية لحادث تسمم غامض أودى بحياة أسرة كاملة في قرية "دلجا" التابعة لمركز دير مواس بمحافظة المنيا.

 

بداية المأساة

تفاصيل الفاجعة بدأت ببلاغ تلقته الأجهزة الأمنية يفيد بوفاة ثلاثة أطفال أشقاء داخل منزلهم، إثر إصابتهم بأعراض تسمم شديدة ومفاجئة. الضحايا كانوا: محمد (11 عامًا)، ريم (10 أعوام)، وعمر (7 أعوام). تم نقلهم على الفور إلى مستشفى دير مواس، ومنها إلى مستشفيات أخرى بعد تدهور حالتهم، إلا أن جميع محاولات إنقاذهم باءت بالفشل.

 

وخلال ساعات قليلة، لحق بهم شقيقهم أحمد، ثم توفيت الطفلتان فرحة (14 عامًا) ورحمة (12 عامًا) داخل مستشفى صدر المنيا بعد تدهور حالتهما الصحية، لتتلقى الأسرة ضربة قاسية لم تترك فيها طفلًا واحدًا على قيد الحياة.

 

الأب يُكمل مأساة الرحيل

لم يتحمل الأب ناصر صدمة فقدان أطفاله، وسرعان ما بدأت تظهر عليه أعراض مشابهة لما أصيب به أولاده، ليُنقل في حالة حرجة إلى مستشفى المنيا، ثم إلى مستشفى أسيوط الجامعي في محاولة لإنقاذ حياته.

 

ورغم الرعاية الطبية والفحوصات الدقيقة، لفظ أنفاسه الأخيرة، ليُسدل الستار على مأساة إنسانية نادرة، اختفت فيها أسرة كاملة من الوجود خلال أقل من أسبوع.

 

السم القاتل: "كلورفينبير"

 

الدكتور محمد إسماعيل، أستاذ السموم بكلية الطب جامعة المنيا، كشف عن نتائج أولية مفزعة للفحوصات، مشيرًا إلى أن الأسرة تعرضت لتسمم بمادة "كلورفينبير" — وهو مبيد حشري نادر وعالي السمية، لا يوجد له ترياق معروف عالميًا. وأوضح أن المادة قد تكون دخلت أجسام الضحايا عن طريق الطعام، أو مياه الشرب، أو حتى الاستنشاق، لافتًا إلى تأثيرها المدمر على الجهاز العصبي خلال ساعات قليلة من التعرض لها.

 

التحقيقات مستمرة والأسباب مجهولة

 

النيابة العامة فتحت تحقيقًا موسعًا في الواقعة، وبدأت باستجواب أفراد من محيط الأسرة، وتحفظت على بقايا الأطعمة داخل المنزل، بالإضافة إلى فحص أدوات النظافة والمبيدات التي وُجدت في المنزل أو بالقرب منه. ولا تزال التحقيقات جارية لكشف ما إذا كانت الواقعة نتيجة استخدام خاطئ لمواد سامة أو فعل جنائي متعمد.

 

 لا أوبئة في القرية

 

وزارة الصحة والسكان أصدرت بيانًا رسميًا نفت فيه وجود أي أوبئة أو أمراض معدية بقرية دلجا، مشيرة إلى إجراء فحوصات شاملة لمياه الشرب ومنازل المنطقة. كما أكدت الوزارة أنها تتابع الوضع عن كثب، وأرسلت فرقًا لمراقبة الحالة الصحية العامة في القرية.

 

حزن عارم وغضب مجتمعي

 

تحولت قرية دلجا إلى مأتم كبير، وعمّ الحزن أرجاءها، بينما تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي تفاصيل الحادث بكثافة، وسط مطالبات بفتح تحقيق شامل في الواقعة، ومحاسبة المقصرين في رقابة بيع المواد السامة بالأسواق.

 

وناشد عدد من النشطاء بإطلاق حملات توعية عاجلة في المناطق الريفية، حول خطورة المبيدات الحشرية وتخزينها داخل البيوت، محذرين من تكرار هذه المآسي في ظل ضعف الوعي والرقابة.

 

صورة لا تُمحى

مأساة دلجا لم تكن مجرد حادثة وفاة، بل كانت صدمة مجتمعية كشفت هشاشة الأمان الصحي في بعض المناطق، وحجم الفجوة في التوعية والرقابة. أسرة كاملة رحلت في صمت موجع، لتبقى قصتهم جرس إنذار مؤلم، ومطلبًا شعبيًا بتحرك عاجل يحمي الأرواح من سموم لا ترحم.