شهد المجتمع المصري خلال السنوات الأخيرة تحولات كبيرة في خريطة العلاقات الأسرية، حيث تكشف الأرقام الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن معدلات الزواج والطلاق لم تعد كما كانت، فبينما ظل الزواج حاضرًا بأعداد كبيرة تقترب من المليون عقد سنويًا، قفزت معدلات الطلاق بشكل مثير للقلق، حتى وصلت إلى أعلى مستوياتها في عام 2022.

في التقرير التالي يكشف فريق "5 سياسة"، عن نسب الطلاق التي تزايدت بشكل فكك الأسرة ويهدد المجتمع، بسبب تأثيره السلبي على الأبناء. 

في عام 2013، سجلت مصر ما يقرب من 600 ألف عقد زواج، لكن هذه الأرقام أخذت في الارتفاع عامًا بعد آخر، حتى اقتربت من المليون عقد زواج.

عقود الزواج في عام 2023، سجلت 927.8 ألف، وهو الأعلى على الإطلاق، بزيادة تصل إلى 50%، مقارنة بعام 2013.

وفي 2017، بلغ عدد حالات الطلاق حوالي 198 ألف حالة فقط، في مقابل أكثر من 912 ألف عقد زواج، وهو ما كان يمثل آنذاك نسبة 17% فقط من إجمالي عقود الزواج.

ومع حلول عام 2020، قفز الرقم إلى 218 ألف حالة طلاق، رغم تراجع عقود الزواج إلى 876 ألف عقد.

تشير الأرقام إلى أن عدد عقود الزواج شهدت تقلبات بسيطة، بينما ظلت معدلات الطلاق في اتجاه تصاعدي، حتى وصلت إلى الذروة في عام 2022، لتسجل قرابة 270 ألف حالة طلاق.

الريف يتفوق على الحضر

وتكشف البيانات التفوق الواضح للمناطق الريفية على الحضر في عدد عقود الزواج، حيث ترتفع عقود الزواج في الريف مقارنةً بالحضر، وهي في زيادة مُطردة، حيث سجلت عقود الزواج في الريف عام 2022، إجمالي 545 ألف عقد زواج، مقابل 384 ألف عقد زواج في المناطق الحضرية.

وفي عام 2023، سجلت عقود الزواج في الريف 573 ألف عقد زواج، مقابل 389 ألف فقط لعقود الزواج في المناطق الحضرية.

متوسط عمر الزوج والزوجة عند الزواج

أما متوسط الأعمار عند الزواج، فهي للرجال 30.3 سنة للذكور عند الزواج، بينما تنخفض نسبيا لتسجل 25 سنة تقريبا للإناث.

ارتفاع حالات الطلاق في الحضر

وعن التوزيع الجغرافي لحالات الطلاق، فيشهد ارتفاعًا في المناطق الحضرية، مقابل المناطق الريفية، إذ تسجل 156.3 ألف حالات طلاق في المناطق الحضرية عام 2022، مقابل 113.6 ألف حالة طلاق في المناطق الريفية.

أما متوسط العمر عند الطلاق فيسجل 40.6 سنة للرجال، بينما يسجل 34.4 سنة للنساء عند الطلاق.

 

ويرى خبراء الاجتماع أن هذه الزيادة ليست مجرد أرقام، بل هي نتاج مباشر لعدة عوامل متشابكة، فالأوضاع الاقتصادية الصعبة، وارتفاع تكاليف المعيشة، والبطالة بين الشباب، كلها أسباب تزيد من الضغوط على الأزواج.

إلى جانب ذلك، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا جديدًا في تأجيج الخلافات الأسرية، حيث أصبحت الخلافات الشخصية تنتشر وتتعقد بسرعة غير مسبوقة.

كما أن تغير القيم المجتمعية، وغياب الوصمة التي كان الطلاق يحملها في العقود السابقة، جعلا الانفصال خيارًا أكثر سهولة لدى كثير من الأسر.

وقال أحمد عبد الستار أستاذ علم الاجتماع، إن أحد الأسباب الرئيسية لزيادة حالات الطلاق في مصر هو التغيرات الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة التي شهدها المجتمع في العقود الأخيرة، ففي الماضي، كانت الحياة الزوجية مرتبطة أكثر بالعادات والتقاليد، وكانت الضغوط الاجتماعية تقيد الأفراد في الالتزام بالعلاقة، لكن مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وارتفاع معدلات التعليم، وتغير مفهوم الاستقلالية، بدأ الأزواج يتعرضون لتحديات كبيرة في الحفاظ على العلاقة الزوجية.

وتابع أن الأسباب التي تساهم في الطلاق تتراوح بين اختلاف الأهداف والطموحات بين الزوجين، وغياب التواصل الفعّال، وصولًا إلى تدني مستوى الوعي في معالجة المشاكل الزوجية، علاوةً على ذلك، يلعب التدهور الاقتصادي دورًا مهمًا، حيث يؤدي الضغط المالي إلى تفاقم المشكلات الأسرية، هذه التحديات تشير إلى ضرورة تكثيف التوعية الثقافية والاجتماعية حول مهارات التعامل مع الضغوط الزوجية، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني والجامعات في ذلك.

وقالت الدكتورة سلمى محمود، الاستشارية الأسرية، إن زيادة حالات الطلاق في مصر تعود إلى غياب الوعي الأسري في التعامل مع الاختلافات الطبيعية بين الأزواج، وما نشهده الآن هو أن الشباب يدخلون في علاقات زوجية دون الوعي الكافي حول أهمية التفاهم والمرونة في العلاقة.

وتابعت: مؤخرًا، لاحظت أن الانشغال بالهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي قد ساهم في زيادة الفجوة بين الأزواج، حيث يقضي الزوجان ساعات طويلة على هذه المنصات، مما يؤدي إلى قلة التواصل الجيد بينهما، بالإضافة إلى أن العديد من الأزواج لا يعرفون كيفية إدارة الأزمات الزوجية أو تدارك الخلافات البسيطة قبل أن تتحول إلى قضايا معقدة.

كما أن هناك تزايدًا في ظاهرة الزواج المتأخر التي تؤدي أحيانًا إلى زيادة في الضغوط النفسية والعاطفية من أجل تحقيق توازن بين الحياة المهنية والعائلية، إذا لم يتم العمل على توعية الأزواج الجدد بأهمية بناء أساس قوي للعلاقة منذ البداية، فإن النتائج ستكون كارثية على المستوى العاطفي والاجتماعي.

وقال مصطفى الجندري خبير العلاقات الأسريةإن السبب الأبرز في زيادة الطلاق في مصر يعود إلى غياب النضج العاطفي والذهني في مرحلة الزواج، فالكثير من الشباب لا يتعاملون مع الزواج كعلاقة تتطلب تطوير مستمر وصبر، كما أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة تضع عبئًا كبيرًا على الأزواج، مما يزيد من توتر العلاقة.

من جانب آخر، نجد أن هناك خللاً في دور الأسرة الممتدة في تقديم الدعم للأزواج في بداية حياتهم الزوجية، في السابق، كانت الأسرة الكبيرة توفر نوعًا من الاستقرار العاطفي والنفسي للزوجين، أما الآن، فقد أصبح كل طرف في علاقة الزواج يعيش حياة فردية إلى حد كبير، وهو ما يقلل من الروابط الاجتماعية التي كانت تساهم في صمود العلاقات.

المشكلة، وفقًا لدراسات بحثية محلية ودولية، لا تقف عند حد الأرقام، بل تمتد إلى آثارها المباشرة على النسيج الاجتماعي، فارتفاع نسب الطلاق يعني بالضرورة تزايد أعداد الأسر ذات العائل الواحد، وتأثر الأطفال بشكل مباشر نفسيًا واجتماعيًا، إلى جانب تأثيرها على معدلات الإنجاب، وهو ما قد يغير التركيبة السكانية لمصر على المدى البعيد.