أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تقريرًا جديدًا بعنوان "الصناعة الذكية.. ثورة رقمية تُشكل مستقبل الصناعة". واستعرض التقرير واقع الصناعة الذكية محليًا ودوليًا، متناولًا التطور التاريخي للتحول الصناعي، والاتجاهات العالمية والتجارب الدولية في تبنّي التكنولوجيا المتقدمة، إضافة إلى المبادرات العربية الرائدة.

أكد التقرير أن الصناعة الذكية أصبحت من أبرز ملامح التحول التكنولوجي في القرن الحادي والعشرين. فهي تعيد صياغة مفهوم الإنتاج الصناعي من خلال دمج تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، وتحليل البيانات الضخمة. وأوضح أن هذه الثورة تُمثل ركيزة أساسية لتعزيز التنافسية الصناعية وزيادة الكفاءة التشغيلية وتحقيق التنمية المستدامة.

أظهر استطلاع لشركة McKinsey عام 2019 أن 68% من المديرين التنفيذيين اعتبروا الثورة الصناعية الرابعة أولوية استراتيجية، فيما ذكر 70% أن شركاتهم بدأت في اختبار أو تطبيق هذه التقنيات. وتُشير التقديرات إلى أن الشركات السباقة في تبنّي الذكاء الاصطناعي عام 2025 قد تحقق زيادة في التدفق النقدي بنسبة 122%، مقابل 10% فقط للمتأخرين، بينما قد تخسر الشركات غير المتبنية 23% من تدفقاتها النقدية.

كما أظهرت دراسة لشركة Deloitte أن المصانع الذكية رفعت الإنتاجية 12% خلال ثلاث سنوات، وزادت استخدام الطاقة الإنتاجية 11%. وفي أحد مصانع البلاستيك، ساهمت تقنيات الاستشعار الذكي في خفض استهلاك الطاقة 40%، بما وفر أكثر من 200 ألف دولار سنويًا.

وأوضح التقرير أن الصناعة الذكية تقوم على تمكين الآلات من التواصل مع بعضها ومع نظم المعلومات لاتخاذ قرارات فورية مدعومة بالبيانات. وعرّفها المنتدى الاقتصادي العالمي بأنها "أنظمة إنتاج ذكية ومتصلة، تستشعر العالم المادي وتتنبأ به وتتفاعل معه في الزمن الحقيقي". فيما اعتبرها البنك الدولي تحولًا جذريًا قائمًا على الأتمتة والروبوتات والطباعة الثلاثية الأبعاد.

وبيّن التقرير أن المصنع الذكي يجب أن يتضمن تقنيات أساسية مثل: إنترنت الأشياء الصناعية، الروبوتات، المركبات ذاتية القيادة، الحوسبة السحابية، والتوأم الرقمي. واستثمرت شركات كبرى مثل Siemens وABB وMitsubishi Electric في إنشاء مصانع مترابطة بالكامل تعتمد على أحدث التقنيات.

ورغم الإمكانات الكبيرة، تواجه الصناعة الذكية تحديات عدة، أبرزها: تكامل تكنولوجيا المعلومات، فجوة المهارات، ارتفاع تكاليف التنفيذ، الأمان السيبراني، وقابلية التشغيل البيني.

أما عن حجم السوق العالمي، فقد بلغ 349.8 مليار دولار في 2024 مع توقعات بوصوله إلى 392.8 مليار دولار في 2025. وجاء توزيع السوق كالتالي: آسيا والمحيط الهادئ 32%، أمريكا الشمالية 28%، أوروبا 25%، أمريكا اللاتينية 10%، بينما سجلت الشرق الأوسط وإفريقيا 5% فقط.

وأشار التقرير إلى أن قطاع البرمجيات استحوذ على أكثر من 49% من السوق في 2024، مع توقع نمو ملحوظ لقطاع الخدمات حتى 2030 بمعدل يتجاوز 13% سنويًا. وكشف استطلاع لمؤسسة Deloitte عام 2025 أن 78% من التنفيذيين الأمريكيين يخصصون أكثر من 20% من ميزانياتهم لمبادرات التصنيع الذكي، فيما توقع 88% استمرار هذه الاستثمارات أو زيادتها.

وأوضحت دراسة McKinsey أن الاعتماد على التقنيات الرقمية يقلل وقت تعطل الآلات بنسبة 30-50%، ويرفع الإنتاج 10-30%، ويحسن إنتاجية العمال 15-30%، مع دقة توقعات سوقية تصل إلى 85%.

وفي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أشار تقرير للبنك الدولي إلى أن اعتماد التكنولوجيا الرقمية الحديثة قد يزيد إنتاجية الصناعات التحويلية العربية بنسبة 10%.

وبحسب الاتحاد الدولي للروبوتات، بلغ عدد الروبوتات العاملة بالمصانع عالميًا 4.2 ملايين وحدة عام 2023، بزيادة 10% عن 2022. وجاءت 70% من الروبوتات الجديدة في آسيا، و17% في أوروبا، و10% في الأمريكتين. وسجلت الصين 276.2 ألف روبوت جديد، بما يمثل 51% من الإجمالي العالمي.

وتُظهر التوقعات استمرار نمو عمليات التركيب بين 2024 و2027، بمعدل 4% سنويًا ليصل عدد الروبوتات المثبتة إلى 602 ألف وحدة بحلول 2027. كما يُتوقع أن يتجاوز حجم السوق العالمي 900 مليار دولار بحلول 2034 بمعدل نمو سنوي مركب 9.65%.

وعلى الصعيد العربي، استعرض التقرير مبادرات الإمارات والسعودية وتونس والبحرين للتحول نحو المصانع الذكية، مع التركيز على الابتكار وبناء القدرات البشرية.

وفي مصر، أكد التقرير أن الدولة تخطو بخطوات متقدمة نحو تبني مفاهيم الصناعة الذكية ضمن رؤية مصر 2030. فقد ارتفعت إيرادات سوق التصنيع الذكي من 1.15 مليار دولار في 2021 إلى توقعات بـ 2.07 مليار دولار في 2025، وصولًا إلى 6.05 مليارات دولار بحلول 2033.

كما يُتوقع أن يصل حجم السوق المحلي إلى 537.9 مليون دولار في 2025 بمعدل نمو 15.4%. وحافظت مصر على ريادتها القارية في مؤشر جاهزية الذكاء الاصطناعي لعام 2024، لتحتل المركز الأول إفريقيًا بـ 55.63 نقطة، فيما جاءت بالمركز 65 عالميًا بمؤشر الأداء الصناعي التنافسي.

وبلغ عدد شركات الذكاء الاصطناعي في مصر نحو 246 شركة بحلول 2022. وأطلقت الدولة برامج عدة مثل "فرصتنا الرقمية"، "رواد مصر الرقمية"، و"مصر تصنع الإلكترونيات"، بجانب استراتيجيات الذكاء الاصطناعي (2018–2030).

كما تبنّت مصر مؤشر جاهزية الصناعة الذكية لتقييم النضج الرقمي للمصانع. وتم تنفيذ أول برنامج تدريبي معتمد للمقيّمين بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي، لتأهيل خبراء يقدمون تقييمات وخطط عمل متخصصة للمصانع.

وتتجه الدولة أيضًا لتطوير المناطق الصناعية الذكية بدعم من القطاعين العام والخاص، مثل مجمع e2 العلمين، مشروعات بولاريس باركس، ومجمعات السويس للتنمية الصناعية. كما تُنفذ مبادرة مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية لإقامة نموذج صناعي ذكي بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

وفي سياق متصل، أُطلق مركز تميز تكنولوجيات الجيل الصناعي الرابع بالعاصمة الإدارية الجديدة بالتعاون مع شركة سيمنز. ويضم المركز نموذجًا لمحاكاة مصنع ذكي ومعامل متخصصة للابتكار والتدريب، موجهة للطلاب ورواد الأعمال والمؤسسات الصناعية.

كما طورت وزارة البترول برنامجًا للتحول الرقمي يشمل إنشاء غرفة تحكم رقمية لمصافي التكرير وربطها بمنظومة موحدة لزيادة الكفاءة التشغيلية. وتنفذ الوزارة كذلك مشروعًا للتحكم والرقابة على النفط الخام والمنتجات البترولية عبر مركز تحكم رئيسي حديث.

واختتم التقرير بالتأكيد على أن الصناعة الذكية أصبحت ركيزة أساسية للتنافسية الاقتصادية والتنمية المستدامة، وأن الاستثمار في هذا المجال اليوم هو الضامن لريادة صناعية واقتصادية في المستقبل.