في صباح 7 أكتوبر 2023، تغيرت حياة أكثر من مليوني شخص في قطاع غزة بين لحظة وأخرى، منذ ذلك اليوم، انقلبت المدينة إلى ساحة صراع مستمرة، حيث لم يعد المدنيون مجرد شهود على الأحداث، بل أصبحوا ضحاياها الرئيسيين.
خلال عامين من القتال المتواصل، تكشفت الأرقام والبيانات الرسمية لتروي قصة معاناة غير مسبوقة، تتراوح بين الخسائر البشرية والدمار الاقتصادي والاجتماعي، وصولًا إلى أزمة النزوح والمساعدات الإنسانية.
نرصد لكم في هذا التحقيق الحرب في أرقام وتستند إلى تقارير وزارة الصحة في غزة وOCHA، لكي تكشف أن المدنيين كانوا المستهدفين الأبرز، وأن المعاناة الإنسانية امتدت بعيدًا عن خطوط المواجهة العسكرية، كل رقم هنا يمثل حياة، أسرة، ومجتمع بأكمله تأثر بشكل مباشر من هذا النزاع المستمر.
منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى 7 أكتوبر 2025، سقط حوالي 67 ألف شهيد فلسطيني نتيجة الحرب في غزة، وتوضح البيانات التوزيع الشهري للضحايا، حيث كانت ذروة الخسائر في الأشهر الأولى بعد اندلاع الحرب، ثم شهدت الأعداد انخفاضًا تدريجيًا مع مرور الوقت، رغم استمرار الصراع على مدى عامين.
كما تعكس هذه الأرقام حجم الكارثة الإنسانية وتأثير العمليات العسكرية المكثفة على المدنيين.
أما عن المصابين فتشير البيانات إلى إصابة حوالي 160 ألف فلسطيني منذ بداية الحرب وحتى أكتوبر 2025
وتوضح البيانات تذبذب أعداد الجرحى شهريًا، مع ذروة الإصابات في الأشهر الأولى نتيجة الهجمات المكثفة على المدن والمناطق السكنية.
كما تُظهر هذه الأرقام الضغط الهائل على المستشفيات وخدمات الطوارئ في غزة، وتبرز الحاجة المستمرة للمساعدات الطبية.
خلال نفس الفترة، بلغ عدد القتلى الإسرائيليين حوالي 1,200 شخص، مع أغلب الخسائر في بداية الحرب.
توضح البيانات أن الحصيلة الشهرية للقتلى الإسرائيليين أقل بكثير من الفلسطينيين، مما يعكس الفارق الكبير في حجم التأثير على المدنيين بين الجانبين، وتساعد هذه الأرقام على فهم طبيعة النزاع وأثره المباشر على السكان المدنيين.
وفي نفس الوقت أصيب حوالي 5 آلاف إسرائيلي بين أكتوبر 2023 وأكتوبر 2025، وتوضح البيانات التوزيع الشهري للإصابات، حيث كانت معظمها في الأشهر الأولى.
مقارنةً بالجرحى الفلسطينيين، تُظهر هذه البيانات الفرق الكبير في حجم الضرر البشري، مما يسلط الضوء على تفاوت الأثر الإنساني للصراع.
وعن الدمار الذي لحق بالبنية التحتية في غزة فقد كان واسع النطاق حيث تشير البيانات إلى أن أكثر من 191,000 مبنى سكني تضرر أو دُمّر بالكامل، فيما تضررت 432 مدرسة وبلغت نسبة التضرر في المستشفيات حوالي 84%.
أما شبكات المياه والكهرباء تكاد تكون منهارة، حيث أقل من 5% من الخدمات الأساسية متاحة بشكل طبيعي، فيما تعرضت شبكة الكهرباء بنسبة 84% للدمار، البيئة أيضًا لم تسلم من آثار الصراع؛ التلوث وانتشار النفايات والمخلفات العسكرية أثر بشكل كبير على حياة السكان اليومية.
هذه الصورة تعكس حجم الكارثة الإنسانية، إذ لم يتضرر السكن فحسب، بل طال الضرر التعليم والصحة والخدمات الأساسية بشكل مباشر.
ولم يسلم القطاع الاقتصادي من تبعات الحرب أيضًا، فقد ارتفعت نسبة البطالة من 42% في 2023 إلى حوالي 63% في 2025، مع تركز البطالة بين الشباب والنساء بشكل خاص.
في فترة الحرب تم تدمير المصانع الصغيرة والمتوسطة وإغلاق الأسواق أدى إلى فقدان آلاف الوظائف، فيما شهدت أسعار السلع الأساسية ارتفاعًا كبيرًا، لتضاف الأزمة الاقتصادية إلى الضغوط اليومية للسكان.
وتوضح هذه الأرقام أن التدهور الاقتصادي مرتبط مباشرةً بالدمار المادي والاجتماعي، وأن الحلول الطارئة لم تكن كافية لتخفيف آثار الصراع.
النزوح شكل بعدًا آخر من أبعاد الأزمة الإنسانية
تشير البيانات إلى أن حوالي 1.4 مليون شخص من اللاجئين الفلسطينيين يشكلون 70% من النازحين، بينما أُجبر أكثر من 680,000 شخص على النزوح مجددًا منذ مارس 2025.
يعيش معظم هؤلاء في مدارس وملاجئ مؤقتة، مع صعوبة الوصول إلى الخدمات الأساسية، هذا الحجم الهائل من النزوح يعكس استمرار الكارثة وعدم وجود استقرار فعلي للسكان، ما يزيد من الحاجة الملحة لتدخلات إنسانية عاجلة.
في ظل هذه الظروف، سعت الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الدولية لتقديم المساعدات، ومع ذلك، تشير البيانات إلى أن المساعدات الغذائية لا تغطي سوى جزء من الاحتياجات، حيث يحتاج نحو 2.1 مليون شخص إلى دعم غذائي مستمر.
كما تم التخطيط لتقديم مساعدات نقدية لـ200,000 أسرة، بالإضافة إلى توفير الإمدادات الطبية والخيام والوقود.
ومع ذلك، كان دخول الشاحنات محدودًا ومقطوعًا في فترات التصعيد، حيث لم تتجاوز أحيانًا 60 شاحنة يوميًا، مقارنة بالخطة المستهدفة التي تتطلب نحو 500-600 شاحنة يوميًا لتغطية الاحتياجات الأساسية.
تزامنت المساعدات الإنسانية مع عدة فترات من وقف إطلاق النار والهدن المؤقتة، كانت أبرزها في نوفمبر 2023 وهدنة طويلة بدأت في يناير 2025، وعلى الرغم من هذه الهدن، لم تتوقف الهجمات بالكامل، وكانت فترات التصعيد تعيد تكرار النزوح والمعاناة الإنسانية، مما يوضح العلاقة المعقدة بين الأمن والدعم الإنساني.
بعد عامين كاملين من الحرب، تكشف البيانات الرسمية أن غزة تواجه كارثة إنسانية مستمرة ومتعددة الأبعاد، آلاف القتلى والجرحى، ملايين النازحين، تدمير شبه كامل للبنية التحتية، وارتفاع البطالة بشكل غير مسبوق، كلها مؤشرات على حجم الأزمة.
بالإضافة إلى ذلك، تظهر البيانات أن جهود المساعدات الإنسانية لم تكن كافية لتغطية الاحتياجات الأساسية، وهو ما يجعل التدخل الدولي وإعادة الإعمار مسؤولية عاجلة ومستمرّة.
تبرز غزة اليوم كاختبار عالمي لمدى قدرة المجتمع الدولي على حماية المدنيين وتقديم المساعدات الإنسانية بشكل مستدام، وليس مجرد إدارة أزمة مؤقتة، الأرقام التي تم جمعها تؤكد أن الواقع الميداني في القطاع أكثر قسوة مما يمكن أن تصوره الكلمات وحدها، وأن هناك حاجة ماسة لتدخلات عاجلة وطويلة الأمد لإنقاذ حياة ملايين المدنيين وضمان حقوقهم الأساسية.

