في عالم مليء بالتناقضات، وُلدت صداقة من نوع فريد جمعت بين أيقونة كرة القدم الأرجنتينية دييغو مارادونا وزعيم الثورة الكوبية فيدل كاسترو، لم تكن هذه العلاقة مجرد صداقة عابرة بين مشهورين، بل كانت تحالفاً أيديولوجياً عميقاً بين اثنين من أبرز الشخصيات المتمردة في القرن العشرين، كل في مجاله.

قصة هذه العلاقة بدأت في لحظة ضعف، لكنها تحوّلت إلى رابط أبدي قوامه الاحترام المتبادل والكفاح ضد ما اعتبراه "هيمنة الرأسمالية".

​في عام ٢٠٠٠، وفي خضم صراعه المرير مع إدمان المخدرات الذي كاد أن يودي بحياته، اتخذ مارادونا قراراً مصيرياً بالانتقال إلى كوبا لتلقي العلاج في مصحة "لا براديرا".. كانت كوبا في ذلك الوقت ملاذاً آمناً بعيداً عن ضجيج الإعلام الغربي الذي كان يُلاحقه.

هنا، تدخل الزعيم الكوبي فيدل كاسترو شخصياً، ليس كزعيم سياسي، بل كأب روحي ومُرشد، لقد قدم لكابيتانو الأرجنتيني الدعم اللازم، وخصص له فريقاً طبياً للإشراف على علاجه، وراح يتصل به بشكل دوري للاطمئنان عليه، كانت هذه البتة الأولى لعلاقة استثنائية، ​لم تكن العلاقة بينهما مبنية فقط على مساعدة كاسترو لمارادونا في محنته، بل كانت قائمة على تطابق أيديولوجي غريب، فكلاهما كان يُرى كرمز للتمرد ضد السلطة القائمة. كان كاسترو قد كرّس حياته لمناهضة الإمبريالية الأمريكية، بينما كان مارادونا قد أعلن مراراً كرهه للرأسمالية التي رأى أنها تُفسد الرياضة والمجتمع.

لم يُخفِ مارادونا إعجابه الشديد بالثورة الكوبية، ووشم صورة كاسترو على ساقه اليسرى، وأخرى لرفيقه تشي جيفارا على ذراعه، لتُصبح هذه الوشوم بياناً سياسياً معلناً أمام العالم أجمع، ​كان كاسترو بدوره يُعجب بشخصية مارادونا الفذّة التي لم تخفِ يوماً آراءها الصريحة، كان يُطلق عليه "أفضل لاعب في العالم"، ويرى فيه رمزاً للنضال من أجل الفقراء والمهمشين، وقد أدت العلاقة بينهما إلى سلسلة من اللقاءات المتبادلة والرسائل العلنية، حيث كان مارادونا يُهاجم من خلالها خصوم كاسترو السياسيين، ويُثني على شجاعته في مواجهة الضغوط الدولية. ​

وعندما توفي فيدل كاسترو في عام ٢٠١٦، كانت ردة فعل مارادونا عاطفية جداً، لم يتردد في وصف كاسترو بأنه "أب ثانٍ" له، قائلاً: "لقد فتح لي أبواب بلاده عندما أُغلقت في وجهي كل الأبواب الأخرى".

لم يكن مارادونا يُعبّر عن حزنه لفقدان صديق وحسب، بل كان يرثي نهاية فصل مهم في حياته، فصل جمعه بشخصية استثنائية مثله، شخصية فهمت تمرده الفطري ووقفت بجانبه.