لم تعد القوة الناعمة حكرًا على الفنون والثقافة والإعلام، بل دخلت الرياضة بقوة إلى هذا المفهوم باعتبارها أداة مؤثرة في تشكيل صورة الدول وتعزيز مكانتها الدولية، في عالم اليوم، تتحول البطولات والألقاب الرياضية إلى رأسمال سياسي يُستثمر في تحسين صورة الأنظمة أمام شعوبها وأمام العالم.

أبرز الأمثلة تأتي من البرازيل والأرجنتين، حيث شكّلت كرة القدم جزءًا من الهوية الوطنية، نجاحات الأساطير مثل بيليه ومارادونا وميسي لم تقتصر على الإشادة باللاعبين أنفسهم، بل انعكست على صورة دولهم كقوى كروية مؤثرة عالميًا، وتاريخيًا، استغلت الحكومات في أمريكا اللاتينية هذه الانتصارات لتعزيز شرعيتها، مثلما فعل المجلس العسكري في الأرجنتين بعد تتويج منتخب "التانجو" بكأس العالم 1978.

في آسيا، قدمت الصين نموذجًا آخر للقوة الناعمة الرياضية، استضافتها لأولمبياد بكين 2008 مثّلت لحظة فارقة، إذ أرادت من خلالها إيصال رسالة للعالم بأنها قوة صاعدة، قادرة على التنظيم والانتصار في الميدان الرياضي والتنظيمي معًا، المشهد الافتتاحي المهيب كان إعلانًا واضحًا بأن بكين تسعى لمكانة تتجاوز الاقتصاد والسياسة، لتصل إلى قلوب الشعوب عبر الرياضة.

العالم العربي أيضًا استخدم الرياضة كوسيلة لتحسين صورته. قطر استثمرت مليارات الدولارات في استضافة كأس العالم 2022، وقدمت نفسها كدولة حديثة وقادرة على تنظيم حدث عالمي بأعلى المعايير. ورغم الانتقادات التي سبقت البطولة، خرجت الدوحة بصورة إيجابية، حيث لفتت الأنظار إلى ثقافتها وهويتها وحققت مكاسب سياسية وسياحية.

لكن هناك جدل حول حدود هذا الاستخدام، فالبعض يرى أن الإفراط في الاستثمار الرياضي قد يتحول إلى "تلميع" سياسي يغطي على مشكلات داخلية. كما أن النجاحات الرياضية قد تكون مؤقتة، بينما بناء صورة إيجابية للدولة يتطلب استراتيجيات أشمل.

مع ذلك، تبقى الرياضة أحد أهم أدوات القوة الناعمة في القرن الحادي والعشرين، حيث تتخطى حواجز اللغة والسياسة لتصل مباشرة إلى وجدان الشعوب.