مرّت 24 سنة على هجمات 11 سبتمبر 2001، التي شكّلت نقطة فاصلة في تاريخ العلاقات الدولية. الهجمات التي نفذها تنظيم القاعدة عبر اختطاف أربع طائرات وضرب برجي مركز التجارة العالمي ومقر وزارة الدفاع الأمريكية، لم تغيّر فقط شكل السياسات الأمريكية، بل ألقت بظلالها على العالم كله، بما فيه مصر.
ورغم أن الولايات المتحدة رفعت شعار "من ليس معنا فهو ضدنا"، فإن القاهرة تعاملت مع تداعيات المرحلة بقدر كبير من الاتزان، واستطاعت أن تقدم نموذجًا مختلفًا في مواجهة الإرهاب، قائمًا على خبرتها الطويلة وتجربتها الممتدة مع الجماعات المتطرفة.
رئيس مكافحة الإرهاب: مصر الأكثر اتزانًا بعد 11 سبتمبر
وأكد اللواء أركان حرب شبل عبد الجواد رئيس قطاع مكافحة الإرهاب بالمنطقة العربية وقائد الشرطة العسكرية الأسبق والخبير العسكري، أن مصر تعاملت مع تداعيات هجمات 11 سبتمبر بقدر كبير من الاتزان، ولم تتأثر مثل باقي دول المنطقة، مشددًا على أن خبرتها الطويلة في مواجهة الإرهاب ساعدتها على الصمود أمام ما وصفه بـ"المخطط الأمريكي لإعادة صياغة الشرق الأوسط".
وأوضح عبد الجواد، في تصريحات خاصة لـ"خمسة سياسة"، أن الهجمات، التي نفذها تنظيم القاعدة باختطاف أربع طائرات واستهداف مواقع داخل الولايات المتحدة، استغلتها واشنطن لشن حروب متتالية في أفغانستان والعراق وسوريا تحت شعار "محاربة الإرهاب"، بينما كان الهدف الحقيقي – على حد وصفه – تقسيم المنطقة والسيطرة على ثرواتها.
وأضاف أن مصر، على العكس من دول أخرى، استفادت من خبرتها الممتدة مع الجماعات الإرهابية مثل الإخوان المسلمين، وهو ما مكنها من تجاوز أحداث 2011 وما تلاها، مؤكدًا أن ثورة 30 يونيو 2013 أحبطت المخطط الأمريكي في الداخل المصري.
وأشار إلى أن وجود قوانين استثنائية مثل قانون الطوارئ في تلك الفترة ساهم في تحجيم النشاط الإرهابي، لافتًا إلى أن القيادة السياسية والأجهزة الأمنية كانت مدركة لمخاطر هذه الظاهرة ووضعت الضوابط اللازمة لمواجهتها.
وشدد عبد الجواد على أن الجو العالمي الذي تشكل بعد 11 سبتمبر فرض ضغوطًا على مصر والدول العربية، خاصة في ملف السفر والتأشيرات، إلا أن القاهرة بقيت – بحسب وصفه – "الأكثر اتزانًا في المنطقة بفضل وعي شعبها وقوة جيشها النظامي".
واعتبر أن ما حدث في 11 سبتمبر وما تلاه من تحركات أمريكية وإسرائيلية لا يزال مستمرًا حتى اليوم، مشيرًا إلى أن الأوضاع الأخيرة في المنطقة، ومنها ما وصفه بـ"ضربة الدوحة"، تأتي في سياق نفس المخطط لإضعاف الشرق الأوسط.
طارق فهمي: مصر واجهت الإرهاب برواية سياسية ناجحة
ومن جانبه، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، إن هجمات 11 سبتمبر كانت مرحلة فاصلة في تاريخ العلاقات الدولية، إذ رفعت الولايات المتحدة شعار "من ليس معنا فهو ضدنا"، وهو ما انعكس على سياساتها في مواجهة الإرهاب وتعاملها مع العالم.
وأوضح فهمي، في تصريحات خاصة لـ"خمسة سياسة"، أنه كان شاهدًا على تلك الفترة أثناء وجوده في أمريكا، حيث تعرض العرب هناك لأسوأ معاملة في سياق السياسات الأمريكية الجديدة التي وضعت نفسها "فوق العالم" تحت مبرر محاربة الإرهاب.
وأشار فهمي إلى أن مصر لم تكن مجرد متلقٍ لتداعيات ما جرى، بل قدمت خبرة سياسية ومعنوية ورمزية مهمة، وطرحت روايتها الخاصة في التعامل مع الجماعات الإرهابية. وأضاف أن القاهرة نجحت بمهارة في مواجهة هذه الجماعات، مستفيدة من خبرتها الطويلة ومن حرص أطراف دولية عديدة على نقل التجربة المصرية للعالم وقتها، في ظل حاجة المجتمع الدولي إلى رؤية واضحة لمكافحة الإرهاب.
وبخصوص تأثير الضغوط الأمريكية على السياسة الخارجية المصرية بعد 11 سبتمبر، شدد فهمي على أن تلك الضغوط لم تغيّر من جوهر السياسة الخارجية لمصر، التي ظلت تعمل في بيئة متشابكة ومعقدة، لكنها التزمت بالواقعية والاتزان. وأوضح أن السياسة الخارجية المصرية واصلت دورها القائم على الدبلوماسية الرئاسية وأفكار واضحة المعالم، ما منحها موقعًا مهمًا في المشهد الدولي والإقليمي.