تشهد نيبال منذ مطلع سبتمبر 2025 واحدة من أعنف موجات الاحتجاجات في تاريخها الحديث، بعدما قررت الحكومة حجب نحو 26 منصة للتواصل الاجتماعي، بينها فيسبوك ويوتيوب وواتساب وإكس، بحجة عدم التزامها بالقوانين المحلية الخاصة بالتسجيل وتعيين ممثلين داخل البلاد.
القرار اعتبره الشباب النيبالي اعتداءً مباشرًا على حرية التعبير وقطعًا لأحد أهم سُبل التواصل والتعبير وحتى مصادر الدخل، الأمر الذي فجّر موجة غضب واسعة اجتاحت العاصمة كاتماندو ومدنًا أخرى.
في 8 سبتمبر احتشد الآلاف من أبناء “جيل زد” في ساحة ماياديفي ماندالا قرب البرلمان، رافعين شعارات ضد الحجب وضد الفساد والامتيازات التي يحظى بها أبناء النخبة السياسية المعروفة محليًا باسم “نيبو كيدز”.
وسرعان ما تحولت الاحتجاجات إلى مواجهات دامية بعد تدخل قوات الأمن بالرصاص الحي والغاز المسيل للدموع، مما أسفر عن مقتل نحو 30 شخصًا وإصابة المئات، ليتفاقم الغضب الشعبي ويأخذ بعدًا سياسيًا خطيرًا.
تحت ضغط الشارع، قدّم وزراء الداخلية والصحة والزراعة والمياه استقالاتهم، قبل أن يلحق بهم رئيس الوزراء كي بي شارما أولي، المعروف بعلاقته الوثيقة مع الصين، وهو ما اعتبره مراقبون ضربة قوية لبكين ونقطة محتملة لتحوّل في موازين القوى الإقليمية.
ومع دخول الجيش على خط الأزمة وانتشاره في الشوارع لدعم السلطات المدنية، تعالت المخاوف من تحوّله إلى لاعب سياسي مؤثر في المرحلة المقبلة، في ظل انهيار الثقة بين الشعب والنخبة الحاكمة.
الاحتجاجات لم تكن فقط رد فعل على قرار حكومي لحظي، بل جاءت نتيجة تراكمات طويلة من الإحباط الشعبي تجاه الفساد وتفاوت الثروات، إضافة إلى شعور الشباب بالتهميش في ظل منظومة سياسية لم تُنجز وعودها منذ إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية عام 2008.
ويشير محللون إلى أن ما يجري في نيبال يعيد للأذهان مشاهد الاحتجاجات التي هزت سريلانكا وبنغلادش في السنوات الأخيرة، حيث لعب الغضب الشعبي ضد الفساد والنخب القديمة دورًا محوريًا في تغيير المسارات السياسية.
اليوم يقف وجه الجمهورية النيبالية أمام اختبار حاسم: فإما أن تستجيب السلطة بمسار إصلاحي حقيقي يفتح الباب أمام تجديد النخبة السياسية وإشراك الشباب في صياغة المستقبل، أو أن تدخل البلاد في مرحلة من الاستقطاب وعدم الاستقرار قد تعيد طرح أسئلة كبرى حول شكل النظام ذاته، وفي الحالتين، تبدو نيبال مقبلة على تحوّل تاريخي لن يكون عابرًا.