"ليست مجرد لعبة، إنها معركة"..  هذه الكلمات تلخص بشكل دقيق ما يمثله ديربي الأرجنتين والبرازيل، ليس فقط في عالم كرة القدم، بل في عالم السياسة أيضًا، المنافسة بين العملاقين ليست مجرد صراع على المستطيل الأخضر، بل هي انعكاس لتاريخ طويل من التنافس السياسي والاقتصادي، وصراع على الهيمنة في قارة أمريكا الجنوبية، هذا التنافس، الذي يمتد لعقود، جعل من كل لقاء بين المنتخبين حدثًا ذا أبعاد سياسية عميقة.

يعود تاريخ التنافس بين الأرجنتين والبرازيل إلى القرن التاسع عشر، حين كانت الدولتان تتنافسان على النفوذ في المنطقة، هذا الصراع امتد ليشمل مجالات أخرى، بدءًا من الاقتصاد ووصولًا إلى السياسة الخارجية، عندما دخلت كرة القدم المشهد في أوائل القرن العشرين، أصبحت الأداة المثلى للتعبير عن هذا التنافس، كل فوز لمنتخب كان يُنظر إليه كإنجاز وطني يعزز هيبة الأمة، وكل خسارة كانت بمثابة إهانة لا تُنسى
.

لم يقتصر الأمر على مجرد التنافس داخل الملعب، بل استخدم السياسيون أنفسهم هذه المنافسة لصالحهم، في مناسبات عديدة، قام قادة البلدين بإطلاق تصريحات قبل المباريات لرفع الروح المعنوية، أو حتى للاستفزاز، على سبيل المثال، في بعض الأحيان، كانت الحكومات الوطنية تستخدم مباريات كرة القدم للتخفيف من التوترات السياسية الداخلية، حيث يُنظر إلى الفوز على "الخصم اللدود" كإنجاز يوحد الأمة ويشتت الانتباه عن المشاكل الاقتصادية أو السياسية
.

أحد الأمثلة البارزة على هذا التنافس السياسي كان خلال حرب الفوكلاند عام 1982.. بينما كانت الأرجنتين تحارب بريطانيا، كانت البرازيل تراقب الوضع عن كثب، وكانت هناك تعاطفات مختلفة من الجانبين، في هذا السياق، كان كل لقاء كروي بين المنتخبين يُحمل دلالات رمزية إضافية، حيث كان يُنظر إلى الأرجنتين على أنها تدافع عن شرف القارة بأسرها ضد القوة الأوروبية
.

اللاعبون أنفسهم أصبحوا شخصيات تحمل أعباء سياسية، يُنظر إلى الأساطير مثل دييجو مارادونا وبيليه على أنهما أكثر من مجرد لاعبين؛ هما سفراء لبلديهما، مارادونا، المعروف بمواقفه السياسية الصريحة، كان غالبًا ما يستخدم شهرته لانتقاد خصوم بلاده، سواء كانوا سياسيين أو رياضيين. من ناحية أخرى، كان بيليه يُنظر إليه في البرازيل كرمز وطني، ونجاحاته كانت مرتبطة بتقدم البلاد
.

في الآونة الأخيرة، ومع وجود لاعبين مثل ميسي ونيمار، لا يزال التنافس مستمرًا، وإن كان بشكل أكثر هدوءًا.. رغم أن اللاعبين أنفسهم قد يكونون أصدقاء خارج الملعب، إلا أن التوترات السياسية والشعبية لا تزال موجودة، كل هدف وكل تمريرة في هذا الديربي تحمل ثقلًا هائلاً من التوقعات، ليس فقط من مشجعي كرة القدم، بل من المواطنين الذين يرون في هذه المباراة فرصة لإثبات تفوق بلادهم
.