تعد المنشآت الرياضية، خاصة ملاعب كرة القدم، في تركيا أكثر من مجرد أماكن للعب؛ إنها ساحات تتقاطع فيها الرياضة بالسياسة والاقتصاد والهوية الوطنية، لم يكن بناء ملاعب عملاقة لأكبر الأندية في إسطنبول، مثل "ترك تيليكوم أرينا" (ملعب علي سامي ين الجديد) لنادي غلطة سراي و"فودافون بارك" لنادي بشيكتاش، مجرد مبادرات رياضية عادية، بل كانت جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية حكومية أوسع لتعميق الارتباط بين الدولة وقواعدها الجماهيرية العريضة.

تبنت الحكومة التركية، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، مشروعًا ضخمًا لتحديث البنية التحتية الرياضية في البلاد، لم يقتصر هذا المشروع على استبدال الملاعب القديمة المتهالكة بأخرى حديثة، بل كان يهدف إلى تحقيق عدة أبعاد استراتيجية حيث تمثل الأندية الكبرى في تركيا، وخاصة الأندية الثلاثة الكبرى في إسطنبول (غلطة سراي، بشيكتاش، وفنربخشه)، قوى شعبية هائلة.

لعبت الحكومة دورًا أساسيًا في تسهيل وإطلاق هذه المشاريع، ما صورها كراعية مباشرة لـأحلام وطموحات الجماهير، مشاركة الرئيس أردوغان شخصيًا في افتتاح ملعب فودافون بارك عام 2016، تؤكد على هذا الارتباط السياسي المباشر بالمنجز الرياضي.


تندرج هذه الملاعب ضمن رؤية أوسع للدولة للتنمية العمرانية والاقتصادية، إن إنشاء مرافق ضخمة على أعلى طراز عالمي (كما في حالة ترك تيليكوم أرينا الذي اكتمل عام 2011 بعد سنوات من البناء) يعكس قدرة الدولة على تنفيذ المشاريع الضخمة ويساهم في تحسين صورة تركيا الدولية كدولة قادرة على استضافة الفعاليات الكبرى.

ساعدت الملاعب الحديثة الأندية على زيادة إيراداتها بشكل كبير من خلال حقوق تسمية الملعب (مثل ترك تيليكوم وفودافون)، وزيادة سعة الجماهير، وتقديم خدمات ضيافة متطورة، هذا الدعم الاقتصادي غير المباشر يضمن استقرار الأندية الكبرى ويقلل من حاجتها إلى دعم مالي تقليدي، مما يجعلها قادرة على المنافسة الأوروبية.

يُظهر التدخل الحكومي أحيانًا طابعًا أيديولوجيًا، كما حدث عندما أصدر الرئيس أردوغان توجيهات لوزير الرياضة بإزالة كلمة "أرينا" من أسماء جميع الملاعب في البلاد، هذه الكلمة، التي تعني في سياقاتها اللاتينية "ساحة القتال" أو "المدرج الروماني"، اعتُبرت غير مناسبة، وتم استبدالها بكلمة "بارك" أو "ملعب كرة القدم".. هذا التدخل يعكس أن الدولة لا تكتفي بتمويل ودعم البنية التحتية، بل تسعى أيضًا لفرض سيطرة رمزية على المشهد الرياضي وضمان توافقه مع رؤيتها الثقافية والوطنية.

يُمكن القول إن بناء ترك تيليكوم أرينا وفودافون بارك يمثلان علامات بارزة على اندماج الرياضة العميقة في النسيج السياسي التركي، لقد كانت الملاعب الحديثة، التي تجاوز عددها العشرات في تركيا ضمن استراتيجية البناء الأخيرة، أكثر من مجرد تحفة معمارية؛ بل هي مراكز قوة شعبية واقتصادية وسياسية استخدمتها الدولة بنجاح لتعزيز نفوذها وتوثيق ارتباطها بقواعدها الجماهيرية الضخمة.