شهد سوق العقارات في محافظتي القاهرة والجيزة خلال العام الماضي ضغطًا كبيرًا على وحدات الإيجار، نتيجة تدفق أعداد ضخمة من الأشقاء السودانيين الفارين من الحرب في بلادهم. هذا التدفق المفاجئ أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار الإيجارات، خاصة في المناطق التي استقبلت العدد الأكبر من الوافدين، مثل فيصل، الهرم، 6 أكتوبر، العبور، مدينة نصر، ووسط البلد.

ما مصير مستقبل الإيجارات في القاهرة الكبرى؟

ومع انطلاق أول قطار يحمل السودانيين العائدين طوعًا إلى وطنهم، بدأت تتبلور تحولات جديدة في السوق العقاري، ما يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول مستقبل الإيجارات في القاهرة الكبرى، خاصة في ظل ترقب ملحوظ من قِبل الملاك والمستأجرين.

منذ اندلاع الأزمة السودانية، فضّل كثير من الوافدين استئجار وحدات سكنية كاملة بدلاً من الإقامة في الفنادق، ما أدى إلى طفرة كبيرة في الطلب على الشقق المفروشة وغير المفروشة، وارتفاع أسعارها إلى مستويات تجاوزت المعدلات الطبيعية، مستفيدة من محدودية المعروض وزيادة المنافسة بين المستأجرين.

المشهد بدأ يتغير مؤخرًا، مع بدء رحيل آلاف السودانيين وعودة بعض الاستقرار التدريجي في الطلب. وأفادت مكاتب عقارية في القاهرة والجيزة بوجود تراجع ملحوظ في الطلب، دفع العديد من الملاك إلى تخفيض أسعار الإيجار بنسب تراوحت بين 20% و50% في بعض المناطق

.

انخفاض الإيجارات 

على سبيل المثال، انخفضت إيجارات الشقق المفروشة في حي الهرم من نحو 9 آلاف جنيه شهريًا إلى ما بين 4 و5 آلاف جنيه. كما شهدت مناطق مثل عين شمس والمطرية تراجعًا كبيرًا في إيجارات الشقق غير المفروشة، من 3 آلاف جنيه إلى نحو 1500 جنيه في بعض الحالات، نتيجة ضعف الطلب وزيادة المعروض.

ورغم هذا التراجع، لا تزال بعض المناطق تُبقي على أسعار مرتفعة نسبيًا، في ظل محاولة بعض السماسرة والملاك تعويض الانخفاض المتوقع في الطلب باستهداف جنسيات أخرى، أو الرهان على استمرار الطلب من فئات مختلفة. ويحذر خبراء السوق من أن التمسك بأسعار غير واقعية قد يؤدي إلى ركود ممتد، خاصة مع ضعف القدرة الشرائية لكثير من المواطنين، وتوافر عدد كبير من الوحدات الفارغة غير المؤجرة.

 

في المقابل، لم تتأثر المناطق الراقية مثل الزمالك، الشيخ زايد، والتجمع الخامس كثيرًا بمغادرة السودانيين، كونها لم تكن من الوجهات المفضلة لهم بسبب ارتفاع تكلفة الإيجار بها. لذا من المتوقع أن تظل أسعار الإيجارات في هذه المناطق مستقرة أو تشهد تقلبات طفيفة فقط، تبعًا للعرض والطلب.

 

أما على صعيد سوق التمليك، فلا يُتوقع حدوث تغيرات كبيرة، إذ أن غالبية السودانيين كانوا مستأجرين ولم يكونوا ضمن الفئة المستهدفة لشراء العقارات. وبالتالي، يُرجّح أن يبقى هذا السوق مستقرًا نسبيًا، دون تأثر مباشر بحركة العودة الطوعية للسودانيين.

 

وفي المجمل يبدو أن سوق الإيجارات في القاهرة الكبرى قد دخل مرحلة إعادة توازن، تعتمد على عدة عوامل، من أبرزها حجم المغادرين، وتوافر الوحدات السكنية، ودور الدولة في مراقبة السوق وضبط الأسعار. وقد تتيح هذه المرحلة فرصًا جديدة أمام المواطنين الباحثين عن سكن بأسعار أكثر ملاءمة، بعد فترة من الضغوط والتقلبات.