مع انطلاق أولى رحلات عودة السودانيين طوعًا إلى بلادهم، عبر قطار انطلق من القاهرة إلى الخرطوم، ظهرت ملامح تباين في مواقف وآراء الشارع المصري تجاه هذا التطور الذي يحمل في طياته أبعادًا إنسانية واقتصادية وسياسية.

وبين مشاعر التعاطف وواقع الأزمات، انقسمت الرؤى حول تأثير هذه العودة على حياة المصريين، لا سيما في المناطق التي استقبلت أعدادًا كبيرة من السودانيين خلال الأشهر الماضية.

 

مشاعر متباينة في الأحياء الشعبية

 

في أحياء مثل فيصل، الهرم، عين شمس، والمطرية، والتي شهدت كثافة سكانية مرتفعة بسبب تدفق الوافدين السودانيين، عبّر سكان هذه المناطق عن مشاعر مختلطة. فمنهم من عبّر عن احترامه وتعاطفه مع الجيران السودانيين الذين أقاموا بينهم لفترة، بينما أشار آخرون إلى ما خلفته الأزمة من ضغط على البنية التحتية والخدمات الأساسية.

 

تقول "أم سارة"، ربة منزل من المطرية: "اتعودنا على وجودهم، وكان في منهم عائلات محترمة، بس المدارس زحمت، والعيادات بقت ما بتلحقش، كنا حاسين بالضغط فعلًا".

 

أزمة السكن وارتفاع الإيجارات

 

لم يكن أثر تواجد السودانيين مقتصرًا على الخدمات فقط، بل امتد ليشمل سوق الإيجارات، حيث ارتفعت الأسعار بشكل كبير مع زيادة الطلب على الوحدات السكنية. وفي هذا السياق، قال "أحمد عبد اللطيف"، موظف من فيصل: "كان في تزاحم على الشقق، والملاك رفعوا الأسعار، وده أثر علينا كمصريين، بس محدش يقدر يلوم السودانيين، هما كانوا مضطرين".

 

"شادي مصطفى"، سمسار بمنطقة الهرم، أشار إلى أن وجود السودانيين ساهم في رفع الأسعار: "كانوا بيدفعوا مبالغ كبيرة، دلوقتي بعد رجوع عدد كبير منهم، الأسعار بدأت تهبط، وفي شقق كتير بقيت فاضية".

 

وفي المقابل، أكد "علاء حسن"، مالك عقار في 6 أكتوبر، على أهمية النظر للأمر من زاويته الإنسانية، قائلًا: "الناس دي لاجئين مش سياح، ساعدناهم بقدر المستطاع، لكن في النهاية لازم السوق يتوازن علشان الشباب المصري يعرف يلاقي سكن".

 

تضامن واضح

التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي عكس حالة من التضامن الشعبي، حيث عبّر كثير من المستخدمين عن امتنانهم لتجربة التعايش، وتمنوا السلام والعودة الآمنة للأشقاء السودانيين.

 

كتب أحدهم: "نورتونا وشرفتونا يا أهل السودان، وقلوبنا معاكم"، بينما كتب آخر: "دي كانت لحظة إنسانية عظيمة، والمصريين أثبتوا إنهم دايمًا في صف إخوتهم العرب".

 

رؤى اقتصادية في الشارع

بعض المواطنين نظروا إلى مغادرة السودانيين من منظور اقتصادي، معتبرين أنها قد تفتح المجال لانخفاض تدريجي في أسعار الإيجارات. قال "محمد فؤاد"، موظف بالعبور: "الأسعار نار، وعودة السودانيين ممكن تساعد في تخفيف الضغط، وده هيفيد شباب كتير كانوا بيعانوا في إيجار شقة".

 

لكن آخرين أكدوا أن السودانيين ساهموا في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، خاصة في قطاعات مثل المطاعم، والأسواق، وخدمات النقل، ما يجعل تأثيرهم الاقتصادي أكثر تعقيدًا من مجرد ضغط على السكن.

 

نهاية تجربة وبداية تفكير جديد

تجربة التعايش مع السودانيين كشفت عن صورة راقية للتضامن العربي، لكنها في الوقت نفسه أبرزت ضرورة إيجاد آليات أكثر تنظيمًا للتعامل مع الأزمات الإنسانية بما يحقق التوازن بين الدعم والمصلحة الوطنية.

 

وفي ختام المشهد، تبقى التجربة محفورة في الذاكرة الشعبية، كدليل على قدرة المصريين على استيعاب الآخرين وقت الشدائد، مع التأكيد على أهمية الاستعداد المجتمعي والمؤسسي لمثل هذه المواقف، بما يضمن العدالة للجميع ويصون الاستقرار الداخلي.

 

ويبقى الأمل معقودًا على أن تعود السودان آمنة مزدهرة، وأن تظل مصر كما كانت دائمًا، بيتًا مفتوحًا لكل من ضاقت به السُبل.