في 21 يونيو 1998، لم تكن مباراة كرة القدم التي جمعت بين المنتخبين الإيراني والأمريكي في مدينة ليون الفرنسية مجرد مواجهة رياضية، بل كانت حدثاً استثنائياً شحنته سنوات من العداء السياسي بين البلدين، حتى أُطلق عليها لقب "أمّ كل الألعاب" و"أكثر مباراة مشحونة سياسياً في تاريخ كأس العالم".

منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، تدهورت العلاقات بشكل حاد بين طهران وواشنطن، ووصلت إلى مستوى من العداء غير المسبوق، هذا التوتر كان حاضرًا بقوة في الأجواء المحيطة بالمنتخبين، حيث كانت هناك مخاوف من وقوع انزلاقات أمنية أو تصرفات استفزازية، في المقابل، كان هناك سعي من الجانبين، خاصةً من الرئيس الإيراني آنذاك محمد خاتمي والرئيس الأمريكي بيل كلينتون، لتحقيق تقارب محدود.

قبل انطلاق المباراة، كان هناك مشهد تاريخي يُذكَر حتى الآن، كان البروتوكول الرسمي ينص على أن يتقدّم لاعبو المنتخب الأمريكي لتحية خصومهم؛ لكن المسؤولين الإيرانيين طلبوا أن يتقدّم لاعبوهم بدلاً من ذلك، وبعد مفاوضات، اتفق الفريقان على التقدم نحو بعضهما.

في لقطة مؤثرة، قدّم اللاعبون الإيرانيون ورودًا بيضاء لخصومهم الأمريكيين، في إشارة رمزية إلى السلام، بعدها، التقط الفريقان صورة جماعية معًا، وهو مشهد نادر الحدوث في كرة القدم، ليُرسلا رسالة قوية للعالم مفادها أن كرة القدم يمكن أن تتجاوز الخلافات السياسية.

على أرض الملعب، كانت المباراة حافلة بالإثارة، نجح حميد استيلي في تسجيل الهدف الأول لإيران برأسية قبل نهاية الشوط الأول، ليتبعه مهدي مهدوي كيا بهدف ثانٍ قبل النهاية بست دقائق، ورغم أن برايان مكبرايد قلص الفارق للولايات المتحدة، إلا أن النتيجة النهائية كانت فوزًا تاريخيًا لإيران بنتيجة 2-1.

تجاوزت تداعيات الفوز الجانب الرياضي، ففي إيران، انطلقت احتفالات عارمة في الشوارع، وشعر الإيرانيون بفخر كبير بهذا الانتصار، الذي اعتبره الرئيس خاتمي "رمزًا للوحدة الوطنية".. من ناحية أخرى، أقصت النتيجة المنتخب الأمريكي من البطولة.

بعد المباراة، قال اللاعب الأمريكي جيمس أغو جملته الشهيرة: "لقد فعلنا في 90 دقيقة أكثر مما فعله السياسيون في 20 عاماً".. كما أن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية وقتها، جيمس روبن، تمنى التوفيق لإيران في مبارياتها القادمة، قائلاً: "نتمنى بناء علاقات جديدة، وتحطيم جدران عدم الثقة وخلق تفاهم أفضل".. ورغم أن هذه المحاولات لم تستمر طويلًا، إلا أن المباراة فتحت الباب أمام لقاء ودي بين المنتخبين بعد 18 شهراً في كاليفورنيا، في محاولة أخرى لتهدئة الأوضاع.

تظل مباراة إيران وأمريكا في مونديال 1998 مثالًا حيًا على كيف يمكن للرياضة أن تكون جسرًا للتواصل والتقارب بين الشعوب، حتى في أوقات التوتر السياسي الشديد.