على مر التاريخ، لم تكن كأس العالم مجرد حدث رياضي بحت، بل كانت دائمًا مرآة تعكس الأوضاع السياسية والاجتماعية العالمية، فلطالما استُغلت هذه البطولة الضخمة من قبل الأنظمة السياسية لأغراض الدعاية، أو شهدت تأثيرات مباشرة للنزاعات الدولية.
ويستعرض "خمسة سياسة" في السطور التالية أبرز نسخ كأس العالم التي ارتبطت بالسياسة بشكل وثيق:-
كأس العالم 1934 (إيطاليا).. الدعاية الفاشية
استضافت إيطاليا كأس العالم 1934 تحت حكم الديكتاتور الفاشي بينيتو موسوليني، كان الهدف الرئيسي من استضافة البطولة هو استخدامها كمنصة دعاية ضخمة للنظام الفاشي، قام موسوليني بحشد جميع الطاقات والإمكانيات لضمان نجاح البطولة وظهورها بأبهى حلة، وتدخل بشكل مباشر في تنظيمها وحتى في اختيار الحكام لضمان فوز إيطاليا باللقب، تم تزيين النبلاد بالملصقات التي تحمل التحية الفاشية، وحرص موسوليني على الظهور بمظهر القائد المتواضع الذي يقف في طوابير شراء التذاكر فازت إيطاليا باللقب، مما عزز صورة النظام الفاشي وقوته في نظر الكثيرين.
كأس العالم 1938 (فرنسا).. تأثير النازية
على الرغم من أن البطولة أقيمت في فرنسا، إلا أن تأثير السياسة كان واضحًا، فبعد ضم ألمانيا النازية للنمسا (الآنشلوس)، حرم المنتخب النمساوي، الذي كان يُعرف بـ "فريق الأحلام" آنذاك، من المشاركة، تم دمج بعض لاعبيه بالقوة في المنتخب الألماني، مما أثر على أداء الفريق بشكل عام، كانت هذه البطولة انعكاسًا للتوترات المتصاعدة في أوروبا قبيل الحرب العالمية الثانية.
كأس العالم 1978 (الأرجنتين).. تلميع صورة الديكتاتورية
استضافت الأرجنتين كأس العالم 1978 في ظل حكم الديكتاتورية العسكرية الدموية بقيادة الجنرال خورخي فيديلا، استخدم النظام البطولة لتلميع صورته القمعية دوليًا، وصرف انتباه العالم عن انتهاكات حقوق الإنسان والاختفاءات القسرية التي كانت تحدث على نطاق واسع في البلاد، كانت هناك دعوات لمقاطعة البطولة، إلا أنها لم تنجح بشكل كامل، وأثار فوز الأرجنتين باللقب جدلاً كبيرًا بسبب بعض الشكوك حول نزاهة المباريات، خاصة المباراة التي فازت فيها الأرجنتين على بيرو بنتيجة كبيرة (6-0) مما ضمن تأهلها للنهائي، وهو ما أثار شبهات بتدخلات سياسية لضمان الفوز.
كأس العالم 1986 (المكسيك).. صدى حرب الفوكلاند
على الرغم من مرور أربع سنوات على حرب الفوكلاند بين الأرجنتين والمملكة المتحدة، إلا أن هذه الحرب ألقت بظلالها على لقاء المنتخبين في ربع نهائي كأس العالم 1986.. كانت المباراة مشحونة للغاية، وشهدت هدف دييغو مارادونا الشهير بـ "يد الله" وهدفه الأسطوري الآخر الذي راوغ فيه عدة لاعبين إنجليز، لم تكن هذه المباراة مجرد لقاء رياضي، بل كانت بمثابة معركة رمزية بين البلدين، وانتصار الأرجنتين فيها كان له بُعد وطني وسياسي كبير بالنسبة للأرجنتينيين.
كأس العالم 2018 (روسيا).. توترات دبلوماسية
قبل وأثناء استضافة روسيا لكأس العالم 2018، كانت هناك توترات دبلوماسية حادة بين روسيا والدول الغربية، خاصة بعد حادثة تسميم الجاسوس الروسي السابق سيرجي سكريبال في المملكة المتحدة، اتهم بعض الساسة الغربيين، مثل وزير الخارجية البريطاني آنذاك بوريس جونسون، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمحاولة استغلال البطولة لتعزيز صورة روسيا، مقارنين ذلك بكيفية استخدام أدولف هتلر لأولمبياد برلين 1936، على الرغم من الدعوات للمقاطعة، أقيمت البطولة بنجاح من الناحية التنظيمية؛ لكنها ظلت محاطة بالنقاشات السياسية.
كأس العالم 2022 (قطر).. قضايا حقوق الإنسان
واجهت قطر، كأول دولة عربية تستضيف كأس العالم، انتقادات حادة بسبب قضايا حقوق الإنسان المتعلقة بالعمال المهاجرين وظروف العمل في بناء الملاعب، بالإضافة إلى قضايا مجتمع الميم وبعض القوانين الاجتماعية، أثارت هذه القضايا جدلاً عالميًا واسعًا، ودعت بعض المنظمات والحكومات إلى مقاطعة البطولة أو الاحتجاج عليها، شهدت البطولة بعض المظاهر الاحتجاجية من قبل بعض المنتخبات واللاعبين، مما جعلها نسخة مثيرة للجدل من الناحية السياسية والاجتماعية.