يُعتبر يوهان كرويف، الأسطورة الهولندية، واحدًا من أعظم لاعبي كرة القدم في التاريخ، اشتهر بـ "الكرة الشاملة" التي قاد بها منتخب بلاده إلى نهائي كأس العالم عام 1974، حيث قدم أداءً فنيًا مبهرًا؛ ولكن عندما جاء موعد مونديال 1978، الذي أقيم في الأرجنتين، اتخذ كرويف قرارًا مفاجئًا وصادمًا بعدم المشاركة، تاركًا خلفه علامة استفهام كبيرة حول الأسباب الحقيقية لغيابه.

في البداية، تعددت النظريات والتكهنات حول سبب غيابه، لكن كرويف نفسه كشف السر بعد عقود من الصمت/ فكانت الأرجنتين في عام 1978 تحت حكم "الديكتاتورية العسكرية" بقيادة خورخي فيديلا، وهو نظام قمعي قُدر أنه مسؤول عن "اختفاء قسري" لآلاف الأشخاص، وكانت هناك اتهامات بأن النظام يستخدم الألعاب كأداة دعائية لتلميع صورته، وقد تسبب هذا الوضع السياسي في انتقادات دولية واسعة، ودعا البعض إلى مقاطعة البطولة.

بالفعل، كانت هناك شائعات قوية بأن كرويف، الذي كان معروفًا بآرائه الليبرالية، رفض المشاركة احتجاجًا على النظام العسكري الأرجنتيني، هذه النظرية حظيت بانتشار كبير، خاصة وأن هولندا قدمت طلبًا لنقل البطولة من الأرجنتين لأسباب أمنية، لكن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) رفض الطلب.

لكن في عام 2008، كشف كرويف بنفسه عن السبب الحقيقي والمأساوي لغيابه عن المونديال، فقبل عام واحد من البطولة، تعرض هو وعائلته في منزله ببرشلونة لحادثة سطو مسلح مروعة، اقتحم لصوص المنزل، وقاموا بتقييده هو وزوجته، ووجهوا مسدسًا إلى رأسيهما أمام أطفالهما.

بعد هذه الحادثة، عاش كرويف وعائلته في حالة من الخوف والذعر، أصبح يتدرب بحراسة شخصية، وكان أطفاله يذهبون إلى المدرسة برفقة عناصر من الشرطة، استمرت هذه الحالة لعدة أشهر، مما أثر بشكل كبير على استقراره النفسي وعائلته.

وقد قال كرويف في تصريحاته: "لأول مرة في حياتي، اعتبرت كرة القدم أمرًا ثانويًا، لا يمكنك اللعب في كأس العالم وذهنك مشتت تمامًا".. كان القلق على سلامة عائلته هو الدافع الأساسي لقراره، حيث رأى أن السفر إلى الأرجنتين التي كانت تعيش حالة من الاضطرابات الأمنية يشكل خطرًا حقيقيًا على حياته وحياة أسرته.

على الرغم من غياب كرويف، تمكن المنتخب الهولندي، الذي كان يضم مجموعة من اللاعبين المميزين مثل رود كرول ورينيه فان دي كيركوف، من الوصول إلى المباراة النهائية؛ لكنه خسر أمام المنتخب الأرجنتيني صاحب الأرض والجمهور، في مباراة أثارت جدلاً واسعًا حول التحكيم وبعض الأحداث الغريبة التي صاحبتها، يرى الكثيرون أن غياب كرويف أثر بشكل حاسم على نتيجة المباراة النهائية، وأن وجوده كان سيمنح هولندا القدرة على تحقيق لقبها العالمي الأول.

و
يظل قرار يوهان كرويف بعدم المشاركة في مونديال 1978 واحدًا من أكثر القصص الإنسانية المؤثرة في تاريخ كرة القدم، حيث قدم كرويف درسًا عن أن العائلة وسلامتها تأتيان في المقام الأول، حتى على حساب تحقيق الحلم الأكبر لأي لاعب كرة قدم وهو الفوز بكأس العالم.