في صباح يوم الثلاثاء 11 سبتمبر 2001، استيقظ العالم على واحدة من أكثر اللحظات صدمة في التاريخ الحديث، عندما نفذ 19 عنصرا تابعين لتنظيم القاعدة سلسلة من الهجمات الإرهابية باستخدام طائرات مدنية مختطفة.

 

بدأت الأحداث في الساعة 8:46 صباحا عندما اصطدمت الرحلة رقم 11 التابعة لشركة أميركان إيرلاينز بالبرج الشمالي لمركز التجارة العالمي في نيويورك.

 

وبعد أقل من عشرين دقيقة، وتحديدا في الساعة 9:03 صباحا، وقعت الصدمة الكبرى حين ارتطمت طائرة ثانية بالبرج الجنوبي، ليصبح الأمر واضحاً أن ما يجري لم يكن حادثا عرضيا بل هجوما منسقا ومدبرا بعناية.

 

بينما كانت القنوات الإخبارية الأميركية والعالمية تنقل صور البرجين المشتعلين مباشرة على الهواء، عمّت حالة من الذهول والارتباك، إذ ظن الكثيرون أن الطائرة الأولى ربما كانت حادثا مأساويا، لكن الثانية أزالت أي شك.

 

المذيعون ظهروا في حالة صدمة، والتغطيات امتلأت بروايات شهود العيان، بينما كانت الكاميرات تنقل لحظة بلحظة مشاهد الناس الفارين في الشوارع والرماد يغطي سماء نيويورك.

 

بعد ذلك بوقت قصير، حوالي الساعة 9:37 صباحا، اصطدمت طائرة ثالثة بمبنى البنتاغون في واشنطن، فأصبح الهجوم متعدد الأهداف، وأدرك الأميركيون أنهم أمام عمل إرهابي منظم يضرب قلب دولتهم.

 

لم تقتصر المأساة على نيويورك وواشنطن، ففي الساعة 10:03 صباحا، تحطمت طائرة رابعة في حقل بولاية بنسلفانيا بعدما قاوم الركاب الخاطفين بشجاعة ومنعوهم من الوصول إلى هدفهم المفترض، الذي يُعتقد أنه كان البيت الأبيض أو مبنى الكونجرس.

 

وفي غضون دقائق، بدأت أضخم عمليات إجلاء وإنقاذ في تاريخ الولايات المتحدة، حيث هرعت فرق الإطفاء والشرطة والمسعفون إلى موقع الكارثة، غير أن الكارثة تضاعفت عندما انهار البرج الجنوبي في الساعة 9:59، ثم تبعه البرج الشمالي عند الساعة 10:28، ليتحول المشهد إلى رماد ودخان وأنقاض هائلة.

 

القنوات العالمية حينها، من "سي إن إن" و"بي بي سي" إلى "فوكس نيوز"، قدمت بثًا مباشرًا للحظة اصطدام الطائرات وانهيار الأبراج، وكان المذيعون أنفسهم في حالة ارتباك شديد، حيث ظن البعض في البداية أن ما حدث مجرد حادث عرضي، لكن مع الطائرة الثانية اتضح للجميع أن الأمر هجوم منظم.

 

الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي كان في زيارة لإحدى المدارس بولاية فلوريدا وقت وقوع الهجمات، أُبلغ بما يجري أمام عدسات الكاميرا، وظل متماسكا للحظات قبل أن يغادر سريعا لإدارة الأزمة.

 

وفي خطابه الأول إلى الشعب الأميركي وصف ما جرى بأنه "هجوم إرهابي متعمد على أمتنا"، معلنا حالة الطوارئ القصوى وإغلاق المجال الجوي الأميركي بالكامل لأول مرة في التاريخ.

 

الرد الرسمي الأميركي كان حاسما وسريعا من ناحية الإجراءات العملية: إعلان حالة طوارئ، إغلاق الأجواء، وحشد للجهود العسكرية والسياسية، وقد رتّبت هذه الهجمات تغييرا جذرياً في أولويات السياسة الخارجية والأمن الداخلي للولايات المتحدة — ما عُرف لاحقا بسياسة "الحرب على الإرهاب" التي أطلقت حملة عسكرية في أفغانستان وغيرت معادلات التحالفات والوجود العسكري الأميركي في مناطق واسعة من العالم. 

 

تعليقات الخبراء في تلك الساعات المبكرة انقسمت بين من رأى أن ما حدث يمثل فشلاً استخباراتيا ضخما، حيث لم تتمكن وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي من الربط بين المعلومات التي كانت متاحة لديهم، وبين من حذّر من تداعيات طويلة الأمد قد تدفع الولايات المتحدة نحو حروب جديدة وتغييرات جذرية في سياساتها الأمنية.

 

خبراء ومحللون ظهروا في ذلك اليوم على القنوات المصرية والعربية أكدوا أن ما حدث لم يكن مجرد عمل إرهابي عابر، بل إعلان لمرحلة جديدة من الصراعات العالمية، بعضهم توقع أن ترد الولايات المتحدة بعنف، وهو ما تحقق بالفعل لاحقًا مع الحرب على أفغانستان والعراق، بينما ذهب آخرون إلى أن الحدث سيغير قوانين الطيران والأمن إلى الأبد، وهو ما ظهر سريعًا مع الإجراءات المشددة في المطارات حول العالم.

 

 الإعلام العالمي بدوره نقل صور الانهيارات وكأنها مشاهد سينمائية، ما أثار نقاشات لاحقة حول حدود التغطية بين نقل الحقيقة وإثارة الرعب.

 

رد الفعل الشعبي كان مزيجا من الخوف والغضب والحزن، وآلاف الأسر كانت تبحث عن أحبائها بين الركام أو عبر الهواتف التي توقفت عن العمل، بينما تجمّع الأميركيون حول شاشات التلفزيون يحاولون استيعاب حجم الكارثة.

 

خلال الأيام التالية ارتفعت مؤقتا معدلات الثقة في الحكومة، ووقف الشعب خلف قيادته، لكن سرعان ما برزت أسئلة حول الحريات المدنية وحقوق الإنسان مع بداية سن قوانين جديدة وتشديد إجراءات الأمن.

 

لاحقا، شُكّلت لجنة التحقيق في أحداث 11 سبتمبر، والتي نشرت تقريرها عام 2004، مؤكدة وجود قصور خطير في التنسيق بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية.

 

وأوصت اللجنة بإصلاحات شاملة في أنظمة الطيران، وإجراءات الحدود، وتبادل المعلومات بين الوكالات الفيدرالية، وهو ما أدى إلى إنشاء وزارة الأمن الداخلي وتشديد غير مسبوق في الرقابة على السفر.

 

أحداث 11 سبتمبر لم تكن مجرد كارثة إنسانية أودت بحياة ما يقارب ثلاثة آلاف شخص، بل تحولت إلى نقطة فاصلة في التاريخ العالمي.

 

فقد دشنت الولايات المتحدة بعدها "الحرب على الإرهاب"، وبدأت حملتها العسكرية في أفغانستان، وتغيّرت أولوياتها الأمنية والسياسية لعقود قادمة.

 

كما تركت تلك الصور المروعة للبرجين المنهارين والرماد يغطي سماء نيويورك أثرا نفسيا وثقافيا لا يمحى، ليس فقط على الأميركيين بل على العالم بأسره، لتبقى ذكرى 11 سبتمبر رمزاً للصدمة التي غيّرت وجه القرن الحادي والعشرين.