تُعد أحداث 11 سبتمبر 2001 من أكثر اللحظات صدمةً وعنفًا في تاريخ الولايات المتحدة والعالم كله، فقد شكّلت الهجمات نقطة فاصلة جعلت العالم قبل هذا التاريخ مختلفًا تمامًا عن العالم بعده، سواء على مستوى السياسة الدولية أو العلاقات بين الدول أو حتى شكل الحياة داخل المجتمع الأمريكي، وجاء المشهد صادمًا على الهواء مباشرة حين اصطدمت الطائرات المدنية المختطَفة ببرجي مركز التجارة العالمي، لتترك آلاف الضحايا بين قتيل ومصاب، ويُسجّل ذلك اليوم كأحد أكثر الأيام مأساوية في التاريخ الحديث.
وفي تصريح خاص لـ"خمسة سياسة"، قال الدكتور حسام النحاس، أستاذ الإعلام والمحلل السياسي، إن "أحداث 11 سبتمبر أحدثت زلزالًا سياسيًا وأمنيًا داخل الولايات المتحدة، بل وأثّرت بشكل مباشر على العالم كله، حيث لم يكن المواطن الأمريكي ولا المجتمع الدولي يتوقع أن تُضرب أمريكا بهذه الصورة المروّعة".
أكد د. النحاس أن الهجمات لم تغيّر فقط ملامح السياسة الداخلية الأمريكية، بل غيّرت أيضًا شكل العلاقات الدولية، وأوضح أن واشنطن اضطرت بعد الحادث إلى اتخاذ إجراءات استثنائية مشددة، شملت قوانين جديدة للدخول إلى البلاد، وتشديدًا غير مسبوق في إجراءات الأمن، وإعلان حالة الطوارئ على مستوى الدولة.
وشدد المحلل السياسي على أن السياسة الأمريكية، المعروفة بثباتها حتى مع تغيّر الإدارات الحاكمة، شهدت بعد 11 سبتمبر تحولات جذرية، مضيفا أن هذا التغير انعكس بوضوح في منطقة الشرق الأوسط، حيث تبنّت واشنطن نهجًا أكثر صرامة وتدخلًا مباشرًا في شؤون دول المنطقة، بما في ذلك شن الحروب العسكرية وتغيير أنظمة الحكم.
وأشار د. حسام إلى أن أصابع الاتهام وُجهت مباشرة إلى منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا إلى تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن، وأوضح أنه "حتى الآن لا يمكن الجزم بشكل كامل ومطلق بمرتكبي أحداث 11 سبتمبر، بالرغم من أن هناك متهمين قدّموا إلى المحاكمة وصدر بحقهم أحكام، كما أُجريت تحقيقات وصُرفت تعويضات، وكل هذه التفاصيل معروفة للعالم أجمع".
وأكد النحاس أن "ذلك جاء في إطار ما وصفه بن لادن بأنه انتقام من الولايات المتحدة، التي تحارب الإسلام والمسلمين في كل مكان، ولا تريد استقرارًا للدول المسلمة على الإطلاق".
ولفت إن كل الأحداث التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط بعد هذا التاريخ كانت نتاجًا مباشرًا لذلك اليوم الفاصل، مضيفًا أن "كل السيناريوهات التي نُفذت منذ اليوم التالي للهجوم وحتى الآن، هي انعكاس حقيقي لتداعيات 11 سبتمبر، بل يمكن القول إن كثيرًا من تلك المخططات كانت جاهزة وتم تفعيلها من قِبل الولايات المتحدة".
أوضح أستاذ الإعلام أن التداعيات الاقتصادية للهجمات كانت بالغة القسوة على الاقتصاد الأمريكي، خصوصًا في مجالات الطيران والتأمين والسياحة، حيث شهدت البورصات الأمريكية والعالمية انهيارات مؤقتة، وارتفعت تكاليف الأمن بشكل غير مسبوق.
كما كشف عن أن التحقيقات أظهرت وجود خلل في التنسيق بين المؤسسات الأمنية الأمريكية مثل وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، وهو ما عرقل تبادل المعلومات وأدى إلى نجاح منفذي الهجمات في تنفيذ خطتهم، وتم توجيه الاتهام أن ما حدث هو تقصير من تلك المؤسسات.
وأضاف أن حالة الطوارئ التي فُرضت في الداخل الأمريكي لم تنتهِ سريعًا، بل استمرت لسنوات طويلة، لتصبح الإجراءات الأمنية المشددة جزءًا من الحياة اليومية للمواطن الأمريكي.
أضاف د. النحاس أن النتائج لم تقتصر على الداخل الأمريكي، بل امتدت للمنطقة العربية بأكملها، فقد سقط نظام طالبان في أفغانستان، ثم جاء الغزو الأمريكي للعراق وسقوط نظام صدام حسين، في خطوات وصفها بأنها كانت "نتاجًا مباشرًا لأحداث 11 سبتمبر".
وأشار إلى أن واشنطن أعادت رسم خريطة المنطقة باستخدام القوة العسكرية والتمويل والتدخل المباشر لإسقاط بعض الأنظمة واستبدالها بأخرى موالية لها.
وعلّق أستاذ الإعلام قائلاً إن "الهجمات أطلقت موجة من الكراهية ضد المسلمين داخل الولايات المتحدة وخارجها، حيث ارتبط اسم الإسلام في الخطاب الإعلامي والسياسي الأمريكي بالإرهاب"، وأكد أن ذلك خلق صورة نمطية سلبية عن العرب والمسلمين، وأدى إلى تعرضهم لحملات عداء وتمييز في الداخل الأمريكي.
لفت د. حسام أيضا إلى أن الولايات المتحدة تبنّت منذ ذلك التاريخ دور "شرطي العالم" في مواجهة الإرهاب، رغم أن كثيرًا من التنظيمات الإرهابية ثبت أنها تتلقى دعمًا وتمويلًا بطرق غير مباشرة من أطراف مرتبطة بالاستخبارات الأمريكية.
ومع ذلك، واصلت واشنطن توظيف شعار "الحرب على الإرهاب" كغطاء لسياساتها التوسعية في المنطقة والعالم.
وختم د. النحاس تصريحاته لـ"خمسة سياسة" بالتأكيد على أن يوم 11 سبتمبر سيبقى علامة فارقة في التاريخ السياسي الدولي، قائلاً: "ما نشهده اليوم من حروب وصراعات وإعادة تشكيل للشرق الأوسط هو في جوهره امتداد لتداعيات هذا اليوم المأساوي، الذي غيّر وجه العالم إلى الأبد".