يُعد خالد شيخ محمد، الذي تصفه واشنطن بأنه "المعتقل الأرفع قيمة" في حربها على الإرهاب، أحد أبرز قادة تنظيم القاعدة وأكثر الشخصيات إثارة للجدل في مطلع القرن الحادي والعشرين، باعتباره "مهندس" هجمات 11 سبتمبر 2001، وفق الاتهامات الأميركية.
المولد والنشأة
وُلد خالد شيخ محمد عام 1965 في إقليم بلوشستان الباكستاني، بينما تشير مصادر أخرى إلى أنه من مواليد الكويت. ينحدر من أسرة محافظة؛ فوالده كان إمام مسجد، فيما عملت والدته في تغسيل أجساد النساء المتوفيات.
الدراسة والتكوين
أكمل دراسته الثانوية قبل أن يسافر إلى الولايات المتحدة، حيث التحق بجامعة ولاية كارولاينا الشمالية وتخرج عام 1986 مهندسًا ميكانيكيًا. وفي عام 1992 نال شهادة الماجستير في الثقافة الإسلامية والتاريخ بالمراسلة من جامعة البنجاب الباكستانية.
المسار القتالي
بدأت رحلته مع العمل المسلح في أفغانستان مطلع التسعينيات، حيث التقى بالقيادي الإسلامي عبد الرسول سياف. وفي 1992 غادر إلى البوسنة للقتال ضد الصرب، قبل أن يجذب انتباه زعيم القاعدة أسامة بن لادن عام 1996.
لاحقًا، أصبح من أبرز المخططين لعمليات التنظيم، حيث ارتبط اسمه بمحاولة تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993، ومخططات لاستهداف ساعة "بيغ بن" ومطار هيثرو في لندن، إلى جانب تفجيرات جزيرة بالي الإندونيسية.
الاعتقال والتحقيقات
في مارس 2003، أُلقي القبض عليه في باكستان إثر عملية أمنية مشتركة بين المخابرات الباكستانية ووكالة الاستخبارات الأميركية (CIA). نُقل بداية إلى مراكز احتجاز سرية في بولندا ورومانيا، حيث تعرض -وفق تقارير- لأساليب تحقيق قاسية شملت "الإيهام بالغرق" والحرمان من النوم.
وبعد أكثر من ثلاث سنوات من الاحتجاز السري، جرى تحويله في سبتمبر 2006 إلى معتقل جوانتانامو بكوبا.
الاعترافات والمحاكمة
في جلسة استماع البنتاجون عام 2007، اعترف خالد شيخ محمد بمسؤوليته الكاملة عن هجمات 11 سبتمبر، إلى جانب التخطيط لـ29 عملية أخرى، منها محاولة تفجير طائرة مدنية باستخدام متفجرات مخبأة في أحذية.
وفي 5 يونيو 2008 بدأت أولى جلسات محاكمته أمام القضاء العسكري الأميركي برفقة أربعة من رفاقه. فاجأ المحكمة برفضه الاستعانة بمحامين أمريكيين قائلاً: "لا أريد من يدافع عني، الله وكيلي". وعندما واجهه القاضي بإمكانية الحكم عليه بالإعدام، رد قائلاً: "هذا ما أتمناه منذ أن قاتلت الروس في أفغانستان".
الرسائل والمواقف
في عام 2014، كتب رسالة إلى الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما تحدث فيها عن "المعاناة التي يتعرض لها المسلمون في العراق وفلسطين وسوريا على يد الغرب". لم يُسمح بإرسال الرسالة إلا في يناير 2017.
خلال جلسات المحاكمة، أثار قضية "الحارسات" اللواتي يرافقنه إلى قاعة المحكمة، معتبرًا الأمر تذكيرًا بما وصفه بـ"التعذيب والإهانات الجنسية" التي تعرض لها بعد اعتقاله. كما أكد في إحدى الجلسات: "نحن أعداؤكم.. سيحكم علينا من قبل القوات التي تقتل أهلنا".
محاكمة ممتدة
رغم مرور أكثر من عقدين على هجمات 11 سبتمبر، ما تزال محاكمة خالد شيخ محمد واحدة من أطول القضايا في التاريخ القضائي الأمريكي، إذ تعرقلت بسبب إشكالات قانونية وصعوبات لوجستية لنقل القضاة والمحامين إلى القاعدة الأمريكية في كوبا.
والعام الماضي فقط، قرر الاعتراف بتدبير هجمات 11 سبتمبر مقابل الحصول على حكم قضائي بالسجن المؤبد، رغم مطالبة أسر الضحايا بالحكم عليه بالإعدام.
ويبقى خالد شيخ محمد أبرز وجه يرمز إلى "الحرب على الإرهاب" التي أطلقتها الولايات المتحدة منذ عام 2001، وشخصية محورية في الملفات الأمنية والسياسية العالمية حتى اليوم.